أعتقد أن كل إنسان هوفقيه بما يعلم، لكنء هناك حدود فاصلة بين ما هو اختصاصي بحت كعلوم الطب والهندسة والفيزياء والحشرات والزراعة وغيرها، وبين ما هو مكتسب من الثقافة العامة التي لا تناقش المعادلات الرياضية أو الاختصاصية، وإنما مؤثرها الاجتماعي كسوء الإدارة، أو إعطاء معلومات مغلوطة، وشأن الكتّاب الذين يتحدثون عن كل ما له صلة بالمجتمع لا يعني أن من ينتقد خلافاً مذهبياً يجب أن يكون فقيهاً في علوم الأئمة الأربعة، وليس من يدلي برأي حول المستشفيات، أونقص العمل بالصيدليات يفترض أن يكون طبيباً وصيدلياً، وقس على ذلك ما يتعلق بالاقتصاد، وعلوم الأرض والفضاء وفلسفة الأخلاق وغيرها، أن لا يدلي كاتب بحرف إلا وهو يملك شهادات جامعية أو تزكية من مراكز علمية أو ثقافية، أو دينية.. الفارق أن الكاتب في وسيلة إعلامية، ليس بالضرورة منظِّراً، إلا في حدود الاختصاصات النظرية والتي تُكتسب من خلال القراءة والملاحظة، والمعايشة اليومية في قلب المجتمع، وقد رأينا أطباء وعلماء فيزياء، وهندسة يكتبون بما هو خارج اختصاصهم، وحتى رجل الدين عندما ينتقد كشفاً علمياً يختص بالإنسان أو الدواء مثلاً فهو أيضاً لا يتحدث من مبدأ الاختصاص بأن يعترض، لكنه يتحدث أو يفتي بما يتوفر له من أحكام دينية، ولذلك فإن كثيراً من القراء بمختلف ثقافاتهم، يعتقدون أنه عندما يتعرض أي كاتب لحالة عامة فهو يناقشها من زاويتها العامة، وإلا لبقي لكل جهة اختصاصاتها التي لا يقرؤها أو يناقشها إلا من كان بمستوى معرفة وإدراك تلك الجوانب.. الكثيرون بدأوا بالقراءة العشوائية، أي خلط المعارف العامة ببعضها ولم يكن في ذهن من قرأ تحديد هويته الفكرية هل تتجه للأدب، أو الفكر الفلسفي والعلوم الاجتماعية، أو للسياسة، وهي الميادين المفتوحة بدون مغاليق على أي ناشد للمعرفة في أطرها المختلفة، لكن ظروف الحياة قد تكون وسيلة التوجيه لذلك القارئ عندما يجد نفسه قاصاً وروائياً، أو سياسياً يتابع ويدقق بالحدث العالمي اليومي، أو مؤرخاً، أو محللاً للتاريخ من زواياه المختلفة، وحتى الذين اكتسبوا اختصاصهم الفقهي قبل نشوء الكليات والجامعات، كانت مصادر ثقافتهم التراث المنشور وغير المقيّد، وبالتالي فعندما يتوجه الكاتب بفكره أو نقده، أو حتى تقويم أي اتجاه له علاقة بحياة عموم المجتمع، فهو لا يفترض أن يتحدث بلغة أنابيب المعامل عندما يجد سوسة النخيل مثلاً، قصّرت وزارة الزراعة والجامعات في مكافحتها أو أن يخطئ طبيب، فيناقشه على تجاوزه بعلاج غير صالح للمريض، والإشكال يقع فقط مع من ينصبون أنفسهم على أي فكر فيعتبرون تناول موضوع ما وخاصة في خلاف ديني أنه ليس من شأن أحد إلا من يملكون حق النطق في الفقه العام مع أن الموضوع سياسي متداخل مع اجتماعي ولم يُفءت بالتحليل والتحريم..