ومتابعة لما يذكره المستشرقون والعلمانيون ومن شايعهم عن عدد ممن عذب أو اضطهد أو قتل في التاريخ الإسلامي بأسباب فكرية، سوف أذكر أن سادسهم الحسين بن منصور الحلاج [309ه] وهو من رؤوس الفتنة والإفساد في الأرض، وقد قتل قضاء، أي بحكم حاكم في الدولة، ولم يقتل حتى أخذت البينات عليه، فبان من خلال المحكمة أنه حلولي اتحادي، يؤمن بوحدة الأديان ولا يرى دينا واحداً، ويبيح المحرمات المقطوع بتحريمهن، وقد أجمع فقهاء بغداد وقت محاكمته على صحة ما حكم به عليه، وحين شاع نبأ قتله أجمع من عرف الحلاج على صحة ذلك، وكذلك أكثر الصوفية في وقته، ولم يخالف فيه إلا الصوفية المؤمنون بالحلول، الذين جاؤوا من بعد الصوفية الأوائل، وحكم هؤلاء حكم من عاصر الأمر وخبره، وهم مصدقون فيما خبروه مؤيدون فيه. سابعهم أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان [449ه] قيل حديثاً: إنه حبس، ولا أعلم من أين أتي بهذه المعلومة، الذي نعلمه: أنه لم يمسسه ضر من قبل الناس ولا من قبل الدول، وعاش ستاً وثمانين سنة وسافر قليلاً، وله في شعره أبيات إن صحت له ففيها إلحاد صريح، وله كتب طويلة في الوعظ ككتاب الفصول والغايات، كما له كتاب «زجر النابح»، وهو يرد فيه على من اتهمه بالإلحاد. ثامنهم: إخوان الصفا وخلان الوفاء[القرن الرابع] وهؤلاء لم يظهروا أسماءهم في رسائلهم المشهورة، وإلا فأسماؤهم معروفة، وقد أثرت رسائلهم في الفلسفة في عصرهم، وكانوا امتداداً للحركة الباطنية، وأرادوا تغيير طريقة الناس في النظر إلى الفلسفة، فجاءوا برسائلهم التي احتوت على أشياء جميلة وأشياء مما يوجد عند غيرهم ويمكن الاستغناء عنه وأشياء باطلة، ولم يجبرهم أحد على كتمان أسمائهم، وكانت رسائلهم تنتشر في ظل الدولة البويهية والقرمطية والفاطمية والأخيرتان إسماعيليتان، ويذكر البعض أن أحمد بن عبد الله التقى حفيد إسماعيل بن جعفر الصادق هو من كتب الرسالة الجامعة، وهذا خطأ وادعاء محض إذ إنه توفي سنة 260 ه وزيد بن رفاعة وهو رئيس إخوان الصفا توفي سنة 320. تاسعهم محمد بن أحمد بن رشد الحفيد [590 ه] وهو عالم جليل في فقه مالك وأصول الفقه وفقه الخلاف، ويعد إمام الفلاسفة في وقته. ولا يعلم أنه قتل، وقيل بل غضب عليه المنصور يعقوب بن يوسف، وهو ملك الموحدين في المغرب، ونفاه ثم عفا عنه، لكنه مات قبل أن يستفيد من العفو. والموحدون هم من أدخل المذهب الأشعري إلى المغرب، وكانوا في بدايتهم يقتلون المالكية ومن لا يقول بالأشعرية، ولا بكتاب المرشدة لمحمد بن تومرت مؤسس دولتهم، وليس ابن رشد بشيء عند جرائم عهدهم الأول، أما عهد الخليفة المنصور فكان عهد عمارة وجهاد، والله سبحانه أعلم منا بهم. وعاشرهم: الحسين بن عبدالله البلخي الشهير بابن سينا [428ه] وكان طبيباً ماهراً وفيلسوفاً كبيراً، ويقر له المسلمون بالتقدم في الطب والبراعة فيه، ولم يصبه من المشتغلين بالدين ولا عوام المسلمين أي ضرر، وإنما أصابه الضرر من توليه الوزارة لملك همدان، حيث حسده بعضهم فأوغروا صدر الملك عليه ونهبوا داره، ثم مرض الملك فطلبه واعتذر منه ووزره ثانية. وكفره العلماء لأقواله الفلسفية الكفرية، ومع ذلك لم يجنحوا من أخذ من علمه الصحيح النافع وهو الطب، كما إنه تاب آخر عمره، وتصدق بماله وأعتق مماليكه وأخذ يختم القرآن كل ثلاثة أيام، فرحمه الله. والحادي عشر: هو علي بن محمد بن العباس أبو حيان التوحيدي [414ه] ولم أر أحداً من الناس أزرى به أو عابه في حياته، وإنما شكا هو من الوزيرين الصاحب بن عباد وابن العميد، حيث اتصل بهما ولم يبلغاه ما أراد، ولم يحرق كتبه إلا وهو في التسعين من العمر، وهذا إما أن يكون ضناً منه بالكتب على الناس، أو تراجعاً عن بعض ما كتب، أو أنه بلغ من الكبر عتياً فجاءه من التغير ما يكون لأمثاله. أما ذم تدينه ومدحه فلم أقرأ ذلك إلا بعد وفاته، وكان أول من ذكر قلة دينه ابن الجوزي فيما لا أزال أعتقده، والله أعلم. هذه أسماء اعتدنا على تكرار بعضها عند المستشرقين والعلمانيين، والبعض الآخر أضافه بعض المحدثين. ولا يذكرون ما أصاب مئات العلماء زمن محنة خلق القرآن، ولا يذكرون ما أصاب أحمد بن تيمية شيخ الإسلام وأخواه، زمن إعلانهم بصفات الله تعالى وإنكارهم الاستغاثة بالمخلوقين، وكذلك تلاميذ شيخ الإسلام كابن القيم وابن كثير، وتلاميذهم كابن أبي العز الحنفي، وكذلك لا يذكرون خوف العلماء من الجهر بعقيدتهم في الصفات، كي لا يصيبهم ما أصاب ابن تيمية وذلك كالمقريزي صاحب الخطط الذي ألف كتاب التوحيد ملخصاً عن ابن القيم، وابن حجر العسقلاني الذي ينقل كلام ابن تيمية كثيراً، وكثيراً ما يرجحه، لكنه لا يتكلم في باب الصفات، وأني له أن يتكلم.