إذا اتفقنا أن بعض ما يعرض على الشاشة في رمضان تحت ما يسمى الإنتاج الكوميدي السعودي متابع من قبل الأطفال والمراهقين فقط فالفئة الأولى تستكشف الدنيا ولا تفرق بين الرسوم المتحركة وبين الصور (المنحرفة) والثانية تود أن تضحك على أي شيء ومن أي شيء دون أن تتعمق في سلبياته أو إيجابياته أما الفئة الأكبر في المجتمع فإن تلك الأعمال تفقدهم بمجرد اكتشافهم أنها فارغة وتستخف بعقولهم ولا تخاطبهم بالمنطق فالكوميديا تأتي من الحياة العادية التي نعيشها دون تكلف أو تصنع ودون تحريف أو تهويل وبتشخيص لشخوص تعرفها وتعايشها في الحياة وهذا ما يقدمه لنا مسلسل (كلنا عيال قرية) أما ما عداه فهو للأسف الشديد (هبال واستهبال) وشخصيات لا نعرفها وليست من نسيج مجتمعنا. كنا نحذر من خطر المسلسلات التركية على أطفالنا أما اليوم فإننا نحذر من العبارات التي تردد في مسلسلاتنا وتخدش الحياء وتوحي بعبارات لا أخلاقية والسب واللعن والشتائم وتصوير البدو على أنهم (جحلط) وتصوير رجال القبائل على أنهم مجموعة من الأغبياء بل وتصوير شعوب قارات أخرى على أنهم ضعفاء يسهل على أي نصاب نصدره أن يستولي على بلادهم. ألا يعلم هؤلاء أن البدو هم معظم تركيبة قبائل هذا الوطن وأنهم اليوم عماد المجتمع ومنهم حملة الشهادات العليا ويحتلون المناصب في جميع قطاعات الدولة وأن البداوة تعني القيم والمبادئ والذكاء والشجاعة ولكننا حولناهم بلغة الكوميديا إلى سفهاء يستطيع فرد بسيط لا يملك أي تأهيل أن يحولهم إلى دمى يديرها كيف يشاء ولو قلنا أن منطق المال قد يصنع المعجزات فالحقيقة اننا لم نرَ تأثير هذا المال على هؤلاء الضعفاء الذين لا يمتلكون من صفات البدوي أي ميزة فهل سمعتم عن امرأه تخطب من طليقها ويكون الرد زوجنك (حرمتي) إلا في كوميديا منتجي اليوم الذين يقولون أن عليهم أن (يدوسوا) منتجي الماضي ليعبروا إلى جسر المستقبل بينما يفترض أن يكون منطقهم ان علينا ان نستفيد من خبرات الماضي لبناء الحاضر أما المستقبل فلا يحلمون به لأنه سيكون لغيرهم فهو يجب ان يكون لمن يحترم إنسان هذا الوطن ويعكس الصورة التى تليق به والذي عليه ان يحول ملايين الريالات سواء ما يصرف من خزينة الدولة او ما يجبى عبر الاعلان من جيوب الناس وتنفق على الإنتاج لتكون خير سفير للوطن. فالدراما مرآة عاكسة للمجتمع ونحن والله نعرف أننا مجتمع خير وبركة وأن فينا من الكرم والأصالة ما تفتقده كثير من الشعوب. فهل يوجد في الدنيا من يقف عند إشارات المرور كل مغرب في رمضان ليناولك زجاجة ماء وتمر لكي لا يفوتك الإفطار وأنت في الطريق تاركاً بيته وأهله طالباً للمثوبة وهذا مثال بسيط لم أره في أي عمل محلي فنحن لانرى الا الأغبياء والنصابين والمتخلفين عقلياً والسذج.. أين الإنسان السعودي الذي حوَّل هذا الوطن الى دولة عصرية. ألا يمكن أن يكون هو موضوعاً للكوميديا أم أن الضحك محصور في غير الأسوياء؟. الكوميديا السعودية تقول إن صك الإعسار يتحقق بمجرد الذهاب إلى المحكمة وكأنك تطلب وكاله شرعية.. بالله كيف نحترم بلدنا إذا قلنا للناس أن هذا هو النظام هنا بينما الواقع يقول إنك لن تنال صك الإعسار ما لم يوصلك القضاء إلى السجن لأنك لم تف بما عليك من حقوق ويخرجك منه لأنك لا تملك مثقال ذرة على أمل أن تعمل وتعيد ما سلبت من حقوق. في الكوميديا السعودية يعاين رجل مبنى تحت الإنشاء وأعمدة الدور الأول جاهزة وفي المشهد التالي يقول متى ستصبون الأساسات وتختبرون التربة. وعندما نكتب بهدف الإصلاح وبدافع وطني يأتي من ينال منك بشكل شخصي ولأننا نحترم أنفسنا فنحن لا نتكلم عن أشخاص بل عن أعمال يفترض أن تكون سفيرنا عبر الشاشة إلى شعوب العالم ولهذا يحزننا ما نراه ولكن ماذا نرجو من أشخاص أهانوا مجتمعاً بأكمله غير الإهانة الشخصية لكل من يحاول أن يهدي إليهم عيوبهم.