في خضمّ التسارع الرقمي الذي نعيشه، وسيطرة ثقافة "الترند" على المشهد الاتصالي، يقع البعض في فخ اختزال الإعلام بكونه "لحظة ضجيج" عابرة، لكن الحقيقة التي يدركها الخبراء أن الإعلام الحقيقي لم يكن يومًا وليد الصدفة، بل هو مشروع استراتيجي طويل النفس، وعملية تراكمية من بناء الثقة، وهندسة السمعة، وصناعة الأثر المستدام في وعي الجمهور وذاكرة المجتمع. وتتجسد هذه الرؤية العميقة الثاقبة في الحراك المُتجدد بوزارة الإعلام، وما نلمسه بوضوح في مخرجات المنتدى السعودي للإعلام، فلم يعد الأمر مقتصرًا على مجرد إقامة الفعاليات، بل بناء "منظومة متكاملة" تتجاوز حدود المألوف، إذ نشهد تحولاً شعاره "تمكين بأثر ملموس"، حيث لا يكتفي المشهد بالاحتفاء بالمنجز، بل يصنع أدوات استمراريته. ومن هذا المنطلق، فإن الرهان الحقيقي اليوم لم يعد على الأداة التقنية فحسب، بل على "الإنسان" و"الفكرة". وهو نهج تم تطبيقه عمليًّا عبر مبادرات نوعية مثل "سفراء الإعلام"، التي لا تهدف فقط لتدريب الشباب، بل لمنحهم الثقة ليقدموا "الصوت السعودي الجديد" للعالم بوعي واحتراف. وكذلك مبادرة "نمو" التي تدعم الشركات الناشئة، مؤكدة أن استدامة الإعلام تتطلب كيانات اقتصادية قوية قادرة على المنافسة. وحتى الابتكار لم يعد في قاموسنا الإعلامي ترفًا مؤجلاً، بل ضرورة ملحة تقودها مسارات مثل "معسكر الابتكار الإعلامي" و"The Storm"، التي تحول الأفكار الإبداعية إلى مشاريع حقيقية، وتوظف الذكاء الاصطناعي لخدمة المحتوى. وبكل تأكيد فإن هذا التكامل بين بناء الكفاءات البشرية، ودعم الابتكار التقني، وتعزيز التواصل الدولي عبر منصات مثل "SMF Connect"، هو ما يصنع إعلامًا وطنيًّا يليق بمكانة المملكة لا سيما مع الحضور الدولي المتعاظم للسعودية، حيث تزداد الحاجة إلى هذا النمط من الإعلام؛ إعلام المبادرة لا ردة الفعل، إعلام يفهم العالم ويخاطبه بلغته، ويجسر الفجوة بين الثقافات، دون أن يفرط في هويته. خلاصة القول: إن الإعلام الذي يُبنى برؤية استراتيجية واضحة، وتدعمه مبادرات مؤسسية خلّاقة كالتي نراها اليوم، هو وحده القادر على تحويل التحديات إلى فرص، وضمان أن يبقى الأثر ملموسًا ومستدامًا حتى بعد أن تخفت أضواء الحدث.