في هذه الزاوية ستأخذنا أمل بنت عبدالعزيز الثويقب، مدونة ثقافية وقارئة وكاتبه ومؤسسة دار نشر «الآمال الكبرى» خريجة جامعة الملك فيصل تخصص لغة انجليزية إلى عوالم القراءة من خلال ما اطلعت عليه مؤخراً وتوصي بقراءتها. دلشاد رواية لبشرى خلفان سافرت مع الرواية الى سلطنة عُمان القرن العشرين، وسط ظروف ما قبل الحرب العالمية وما بعدها، وفي سنوات الاستعمار، عشتُ مع تفاصيل الملابس، والطعام، واللهجات، والأعراق وترابطها واختلافها. وعلى الرغم من فرق الزمان والمكان الذي فصلني عن موضوع الرواية بجزأيها، فإني قرأتُهما بنهمٍ وبلا ملل رغم حجمهما الكبير، حقاً.. بشرى خلفان ملكة السرد الأدبي! قدمت الكاتبة سيرةً بطلُها الزمان والمكان، من خلال شخصية «دلشاد» الذي نشأ يتيماً وتقلب في ظروف عصره؛ فدلشاد ليس إلا مفتاحاً يكشف تاريخ منطقة بأكملها، وعاداتها، ولغة أهلها في الحب والتجارة، ومنزلتهم بين زمن الجوع والشبع، والدم والذهب. الرواية مقسمة إلى فصولٍ تحمل أسماء شخصياتها، حيث يُروى كل فصلٍ على لسان صاحبه، ليساهم الجميع في فك لغز الحكاية كاملة عبر تعدد وجهات النظر والمفاجآت حتى نختم الجزء الثاني، إنها رواية تؤرخ لزمنٍ مهمٍ في المنطقة، تكشف أسراره، وتجعلنا نتذوقُ ألمه. ديفداس لسارات تشاندرا رواية من الأدب البنغالي 1917، كتبها سارات تشاندرا، مواليد 1876م. أُنْتِجَتْ للشاشة بعدد 50 اقتباسا غير الاقتباسات الغنائية. شاهدت منها إصدار 2002 من بطولة الشهير «شاروخان» وملكة جمال العالم «اشواريا» و«مدهوري ديكسي»، فيلم طويل من ثلاث ساعات، فيه من جمال الصورة والأزياء والمقطوعات الغنائية الجميلة ما يمكنه أن يسلب حواسك. كلاسيكية رائعة خلدت بطل حكاياتها من خلال ثلاثية عشق، كتبت في 16 فصلا في خط زمني مستقيم منذ طفولته ومشاغباته مع بارو، جارته الطفلة التي رسم معها مغامرات بداياته في مسقط رأسه القروي حتى انتقل الى «كالكوتا» للدراسة ومع تغير الحياة المدنية تتغير القيم والرغبات وتطفو التحديات الجديدة التي تشوش الأهداف ومن ثم تتوالى أحداث الحكاية حتى نهايته المفجعة. وتستمر الرواية بمشاهد تعرض حياة القرى والمدينة ورغبات الشباب ومواجهة العادات والتقاليد التي دمرت قصص العشق البريئة الصافية، بفصاحة كلاسيكية وسرد عالمي، تأسرنا الرواية بتحليلاتها النفسية الصادقة التي تجعل من معاناة أبطالها تجربة إنسانية قريبة من القلب. بدم بارد لترومان كابوتي بدأت الحكاية بقصاصة خبر في صحيفة «نيويورك تايمز» عام 1959 حول جريمة قتل غامضة لعائلة ريفية في كانساس، لكن كابوتي لم يكتفِ بنقل الخبر، بل استثمر ست سنوات من البحث والتحقيق الصحفي المضني وابتدع تحفة أدبية خالدة. طوّع كابوتي «التحقيق الصحفي» -بشهاداته وتقاريره- إلى قالب روائي بأسلوب سردي سينمائي مذهل. لم يكتفِ برصد الحدث، بل استنطق صمت القاتلين ورسم بورتريهاً حياً للمجتمع الذي احتضن المأساة، ليخلق حالة من الالتباس اللذيذ لدى القارئ؛ إذ يبدو السرد كحبكة بوليسية متخيّلة، لولا مرارة الواقع التي تطل من بين السطور، أسلوبه الفريد خلق تصنيفاً جديداً؛ فهو تحقيق استقصائي بقدر ما هو رواية مميزة. من خلال «بدم بارد»، أثبت كابوتي أن الواقع، إذا ما سُرد بروح الأدب، قد يكون أكثر رعباً وتأثيراً من أي خيال، ليترك لنا وثيقة إنسانية تؤرخ للجانب المظلم من النفس البشرية. باتشينكو لمين جين لي بدأت ملحمة باتشينكو للكاتبة مين جين لي في عام 1911، عندما احتلت اليابان كوريا. في قرية صيد صغيرة، خلال ظروف صعبة نقرأ عن هوني وزوجته يانغجين، وابنتهما سونجا، وعلاقتها بوسيط أسماك ثري، يليه لاحقاً قس شاب، وعندها تبدأ القصة حقاً، وتنتقل أحداثها إلى اليابان، وتنتهي في طوكيو في عام 1989. خلال هذا الوقت تعرض حكاية الاحتلال الياباني لكوريا والحرب العالمية الثانية وناغازاكي وهيروشيما والحرب الكورية. هناك أيضاً أيديولوجيات متنافسة خلال هذه الفترة، حيث تتنافس المسيحية والشيوعية والبوذية والكونفوشيوسية على قلوب وعقول السكان، الكتاب يجسد مأساة الهوية الممزقة للكوريين في اليابان من خلال ملحمة عائلة واحدة؛ أولئك الغرباء الذين ولدوا في أرضٍ لا تعترف بهم، وعادوا إلى وطنٍ لا يقبلهم، ليظلوا عالقين بين ثقافةٍ يابانية وأصلٍ كوريّ. هي رواية عن الشرف والعار، بطلاتها نساءٌ هائلات صامدات أمام الفقر، ورجالٌ قيدت أحلامهم قيود التمييز والتحيز، تنساب سردية مين جين لي بإيقاعٍ متلاحق تتعدد فيه الأصوات، وتملك قدرةً فذة على مباغتة القارئ بلحظة تعاطفٍ خاطفة في سطر واحد فقط. المدهش في أسلوبها هو «الحياد الأخلاقي»؛ فهي تضعك أمام صراع الكوريين واليابانيين بكل موضوعية، تاركةً لك مساحة التأمل والحكم، دون أن تفرض رأيها، ما منح الحكاية عظمةً واتزاناً نادراً. نتصيد أنفسنا حتى الموت لجيسون هانان يتقدّم من بين خيوط الإنترنت مخلوقُ العصر الأكثر دهاءً، يتقن فنّ الغضب كما يتقن الممثل دور البطولة. يحرّك الجماهير بلمحة، ويقلب المزاج العامّ بتعليقٍ ساخر، يَسخر ثم يُصفَّق له. إنّه «المتصيّد»؛ الكائن الذي ربّته ثقافتنا الرقمية على الشراسة والضجيج، حتى صار يتغذّى على كلّ ما نقوله ونفكّر فيه. لم يَعُد مجهولًا خلف شاشةٍ معتمة، بل خرج إلى الضوء متجسّدًا في السياسيّ الذي يحرّك الحشود، والإعلاميّ الذي يصنع الإثارة، ورجل الأعمال الذي يتاجر بالفوضى. في هذا الكتاب، يرفع جيسون هانان الغطاء عن الوحش الذي صاغ شكل الحوار الحديث، ويكشف كيف أصبح التصيّد أكثر من سلوكٍ عابر.. بل بنيةً تُعيد تشكيل العالم على صورتها. ليس هذا الكتاب عن الإنترنت، بل عن الإنسان الذي ضاع صوته في صخب العالم الرقميّ، وأصبح ضجيج الآخرين صدى داخله. لا يتّهم المؤلفُ التقنية، بل يضع إصبعه على موضع العطب فينا نحن؛ إذ صارت الشاشات مرايا نُدمّر أنفسنا أمامها طوعًا ونحن نضحك. تحوّل الغضب إلى تسليةٍ يومية، والتصيّد إلى فنٍّ جماهيريٍّ تُصفَّق له الجموع، وغدا العنف الرمزيّ جزءًا من روتين الحياة الحديثة. أمل الثويقب