يحتفل العالم في 20 ديسمبر من كل عام باليوم الدولي للتضامن الإنساني، وهو مناسبة عالمية أقرَّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة 2005 لتعزيز فكرة التضامن بين شعوب العالم كقيمة أساسية في العلاقات الدولية وفِي مواجهة التحديات الإنسانية المشتركة مثل الفقر، وعدم المساواة، والكوارث الطبيعية، والصراعات المسلحة. ويأتي هذا اليوم لتذكير الحكومات والمجتمعات والأفراد بأهمية التعاون والعمل المشترك من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وخصوصًا القضاء على الفقر وتعزيز العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان. وفي ظل تزايد النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية حول العالم، يصبح التضامن الإنساني أكثر من مجرد شعار؛ بل ضرورة للبقاء والتعاون الدولي، وتشدد الأممالمتحدة في رسائلها على أهمية أن تعمل الدول والمجتمعات معًا لتحقيق السلام، وحماية حقوق الإنسان، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والمملكة عُرفت بإنسانيتها منذ توحيدها على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، فعلى الرغم أن بلادنا كانت تبني نفسها داخليًا بعد التوحيد، إلاّ أنها انطلقت في تقديم المساعدات الإنسانية الخارجية منذ وقت مبكر، وقبل أن تتوفر الموارد الهائلة الناتجة عن الاكتشافات النفطية، وكان من أبرز هذه البدايات التي امتدت إليها الأيادي الإنسانية السعودية عام 1950، وهي أول مساعدات خارجية، عندما تعرضت منطقة البنجاب في باكستان لفيضانات مدمرة، لم تتردد المملكة في تقديم مساعدات عاجلة للضحايا، وهو أول تسجيل عملي للعمل الإنساني السعودي خارج حدودها. منذ التأسيس وفي عام 1952 قامت المملكة بدعم فلسطين بتشييد مدرسة ومستشفى، حيث أنشأت المملكة مدرسة كبيرة في القدس وفندقًا ومستشفى يقدم خدمات مجانية، حيث رصد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ميزانية سنوية كبيرة لدعم الفلسطينيين، وهو تعبير مبكر عن التضامن مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وهذه الخطوات المبكرة مثلت أساسًا لإنسانية السعودية في مساعدة الشعوب المتضررة وإعلاء كرامة الإنسان، حتى عندما كانت موارد الدولة محدودة نسبيًا، ومع نمو الدولة، تم تأسيس مؤسسات رسمية تُعنى بتقديم خدمات إنسانية مثل الهلال الأحمر السعودي الذي تأسس 1934م، بأمر من المؤسس بتقديم الخدمات الإسعافية الطارئة داخل المملكة، خاصةً خلال موسم الحج، وهي جزء من إرث إنساني مبكر في المملكة، ومع مرور الزمن، تطورت رسالة الهلال الأحمر السعودي لتشمل الدعم اللوجستي والخدمات الإسعافية التي تُنقذ الأرواح في المواقف الصعبة داخل البلاد، وتطور العمل الإنساني السعودي دوليًا عبر العقود في السبعينيات إلى الألفية الجديدة، ومع توسع قدرات المملكة الاقتصادية وزيادة نفوذها الإقليمي والدولي، تزايدت المساعدات الإنسانية والتنمويّة، فأسست المملكة صندوق التنمية السعودي للتمويل الإنمائي في الخارج، والذي ساهم في مشاريع تنموية في عشرات الدول منذ السبعينيات، وأصبحت المملكة ضمن أبرز الدول الداعمة عالميًا في مجالات الإغاثة والطوارئ والتنمية، وهو ما انعكس في مشاريع عدة على مستوى العالم، وبحلول نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، كانت المملكة تُعد من أكبر الجهات المانحة في العمل الإنساني العالمي. ذراع رسمي ويعد مركز الملك سلمان للإغاثة ذراع إنساني سعودي يمتد أثره إلى أكثر من 100 دولة، فمنذ أن صدر القرار الكريم بتأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في مايو 2015، بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله- رسّخت المملكة حضورها كقوة إنسانية عالمية، تتقدم الصفوف في إغاثة المتضررين من الحروب والكوارث والأزمات الإنسانية، دون تمييز أو تسييس، وجاء تأسيس المركز ليكون الذراع الرسمي للمملكة في العمل الإنساني الدولي، ضمن رؤية واضحة ترتكز على الحياد، والشفافية، والمهنية، وتعمل وفق معايير إنسانية معتمدة دوليًا، بالتعاون مع المنظمات الأممية والإغاثية الموثوقة، بما يضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها بكفاءة عالية، وخلال سنوات قليلة، شهد المركز توسّعًا نوعيًا وكميًا في نطاق عمله، حيث نفّذ حتى 2025 آلاف المشاريع الإنسانية والتنموية في أكثر من 100 دولة حول العالم، شملت قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، مستهدفًا الفئات الأكثر احتياجًا من نازحين ولاجئين ومتضررين من النزاعات والكوارث الطبيعية، وتنوّعت مجالات تدخل المركز لتشمل الأمن الغذائي، والمساعدات الطبية والصحية، والتعليم، والمياه والإصحاح البيئي، والإيواء، وحماية الفئات الهشّة، إضافة إلى برامج التعافي المبكر والتنمية المستدامة، بما يواكب التحول من الإغاثة الطارئة إلى دعم الاستقرار المجتمعي على المدى البعيد، وبحسب الإحصاءات الرسمية، بلغت إجمالي تكاليف مشاريع المركز حتى عام 2025 أكثر من ثمانية مليارات دولار أمريكي، في ترجمة عملية لالتزام المملكة بمسؤولياتها الإنسانية تجاه العالم، وتأكيدًا على أن العطاء السعودي مؤسسي، مستدام، ومنظم. منصات وطنية وفي إطار تعزيز الشفافية، حرصت المملكة على رقمنة العمل الإنساني من خلال إطلاق منصات وطنية معتمدة لتوثيق المساهمات الإنسانية والتطوعية، أبرزها منصة "إحسان" التي تُعد بوابة وطنية موثوقة لجمع التبرعات وتوجيهها للمشاريع المعتمدة، ومنصة "ساهم" التي خُصصت لدعم الحملات الإغاثية في حالات الطوارئ، وربط المجتمع مباشرة بالجهات التنفيذية المختصة، وعلى رأسها مركز الملك سلمان للإغاثة، ويواصل مركز الملك سلمان للإغاثة اليوم أداء رسالته الإنسانية بثبات، مستندًا إلى دعم القيادة الرشيدة، وشراكات دولية واسعة، ورؤية إنسانية تجعل من المملكة العربية السعودية نموذجًا عالميًا في العمل الإغاثي المنظم، حيث لا يقتصر العطاء على حدود الجغرافيا، بل يمتد ليحمل رسالة إنسانية عنوانها الإنسان أولًا، وتُظهر البيانات الرسمية والتقارير الدولية أن المملكة تُعد من أبرز الدول المانحة للمساعدات الإنسانية والتنموية على مستوى العالم، ليس فقط من حيث حجم التمويل، بل أيضًا من حيث استمرارية العطاء واتساع نطاقه الجغرافي والقطاعي، وتشير الإحصاءات إلى أن المملكة لعبت دورًا استثنائيًا في التضامن الإنساني العالمي على مدى عقود، واضعة البُعد الإنساني ضمن ثوابتها في السياسة التنموية والدولية. مشاريع وبرامج وخلال الفترة الممتدة بين 1996م وحتى 2025م تجاوزت قيمة المساعدات الإنسانية والتنموية التي قدّمتها المملكة للعالم حاجز 120 مليار دولار أمريكي، وفق ما تعكسه البيانات الحكومية والتقارير الصادرة عن جهات دولية معنية برصد المساعدات، وقد شملت هذه المساعدات تنفيذ آلاف المشاريع والبرامج التي استهدفت دولًا نامية ومتضررة من النزاعات والكوارث الطبيعية، حيث استفادت منها أكثر من 100 دولة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، وتبيّن الأرقام أن المساعدات السعودية لم تقتصر على الدعم المالي المباشر، بل امتدت إلى مساعدات إنسانية عاجلة في أوقات الأزمات، إضافة إلى برامج تنموية طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز قدرة المجتمعات على التعافي والاستقرار، ففي قطاع الصحة، موّلت المملكة مستشفيات ميدانية، وبرامج علاجية، ومبادرات مكافحة الأوبئة. وفي مجال التعليم، دعمت بناء المدارس، وتأهيل المعلمين، وتوفير المستلزمات التعليمية في البيئات الهشّة، أما في قطاع الأمن الغذائي، فقد شملت المساعدات السعودية توزيع المواد الغذائية، ودعم سلاسل الإمداد، ومشاريع الزراعة المستدامة، فيما ركّزت برامج الحماية الإنسانية على رعاية النازحين واللاجئين، وتمكين النساء والأطفال، وتوفير المأوى في حالات الطوارئ، كما ساهمت المملكة في برامج التنمية التي تستهدف تحسين سبل العيش، وتوفير فرص العمل، ودعم البنية التحتية الأساسية في الدول المتضررة، وتعكس هذه الأرقام والإحصاءات نهجًا سعوديًا ثابتًا في العمل الإنساني، يقوم على تحويل التضامن إلى التزام عملي طويل الأمد، ويؤكد مكانة المملكة كأحد أهم المساهمين في دعم الاستقرار الإنساني والتنمية المستدامة على المستوى العالمي. رؤية شمولية وفي المبادرات الكبرى في التضامن الإنساني لم يقتصر الدور الإنساني للمملكة على تقديم المساعدات المباشرة أو الاستجابة الطارئة للأزمات، بل اتجه إلى تبنّي مبادرات كبرى قائمة على الشراكة الدولية والعمل المؤسسي المنظم، بما يعزز فاعلية التضامن الإنساني ويضمن استدامته، وقد عكست هذه المبادرات رؤية شمولية تتعامل مع الأزمات من جذورها، ولا تكتفي بمعالجة آثارها الآنية، وفي هذا السياق، عملت المملكة على تعزيز تعاونها مع منظومة الأممالمتحدة والوكالات التابعة لها، إلى جانب المؤسسات الإنسانية الدولية والإقليمية، من خلال برامج مشتركة تستهدف الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في مناطق النزاعات والكوارث، وأسهمت هذه الشراكات في تنفيذ مبادرات إغاثية واسعة النطاق شملت تقديم الغذاء والدواء والمأوى، إلى جانب برامج إعادة التأهيل والتعافي المبكر التي تهدف إلى إعادة الخدمات الأساسية للمجتمعات المتضررة، مثل المستشفيات والمدارس وشبكات المياه، كما تبنّت المملكة نهجًا داعمًا لللاجئين والنازحين، سواء داخل أراضيها أو في دول الاستضافة، عبر توفير الرعاية الصحية، والخدمات التعليمية، وبرامج الحماية الاجتماعية، بما يراعي الكرامة الإنسانية ويعزز فرص الاندماج المجتمعي. ويُنظر إلى هذا النهج بوصفه مساهمة عملية في تقاسم الأعباء الإنسانية مع المجتمع الدولي. مسار استراتيجي وفي إطار الانتقال من الإغاثة إلى التنمية، دعمت المملكة مشاريع البنية التحتية الأساسية في الدول النامية، إدراكًا منها أن غياب الخدمات الأساسية يمثل أحد أبرز أسباب تفاقم الأزمات الإنسانية، وشملت هذه المشاريع إنشاء أو إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء، والمرافق الصحية والتعليمية، والطرق الحيوية التي تربط المجتمعات بالأسواق والخدمات، وإلى جانب الجهد الحكومي، حرصت المملكة على تشجيع العمل الخيري والتطوعي من المجتمع المدني، من خلال مبادرات تنظيمية ورقمية تهدف إلى توحيد الجهود، ورفع مستوى الشفافية، وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، وبهذا النهج المتكامل، أسست المملكة نموذجًا في التضامن الإنساني يقوم على الشراكة، والاستدامة، والتكامل بين الإغاثة والتنمية، ويشكّل العمل الإنساني في المملكة مسارًا استراتيجيًا متكاملًا، تطوّر عبر الزمن ليواكب التحولات العالمية في إدارة الأزمات والاستجابة الإنسانية، ويعكس التزامًا ثابتًا بدعم الإنسان أينما كان، بعيدًا عن الاعتبارات الجغرافية أو السياسية، وقد انتقل هذا المسار خلال السنوات الأخيرة إلى مرحلة أكثر تنظيمًا وفاعلية، تقوم على المؤسسية، والشراكة الدولية، والربط بين الإغاثة والتنمية المستدامة. «إحسان» بوابة وطنية لجمع التبرعات.. و«ساهم» لدعم الحملات الإغاثية توثيق وشفافية وفي إطار التحولات الوطنية الشاملة، برزت السياسات التي يقودها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- في إعادة صياغة منظومة العمل الإنساني، من خلال تعزيز الحوكمة، ورفع كفاءة الإنفاق، وتوسيع نطاق التأثير، بما ينسجم مع أفضل الممارسات الدولية، وأسهم هذا التوجه في جعل الجهد الإنساني السعودي أكثر قدرة على التعامل مع الأزمات المركبة، سواء الناتجة عن النزاعات أو الكوارث الطبيعية أو الأزمات الاقتصادية، ويظهر هذا التحول في اعتماد مقاربة شاملة لا تقتصر على الاستجابة الطارئة، بل تمتد إلى برامج طويلة الأمد تشمل دعم التعليم، وتعزيز الخدمات الصحية، وتحقيق الأمن الغذائي، وحماية الفئات الأكثر هشاشة، إضافة إلى دعم التعافي المبكر وبناء القدرات في المجتمعات المتضررة، كما عزّزت المملكة حضورها ضمن الأطر متعددة الأطراف، وأسهمت في مبادرات جماعية تهدف إلى تحسين آليات التنسيق الدولي والاستجابة الإنسانية، وعلى المستوى التنظيمي، شكّلت رقمنة العمل الخيري والتطوعي، وتطوير أدوات التوثيق والشفافية، عاملًا محوريًا في تعزيز ثقة المجتمع الدولي، وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بكفاءة أعلى، وأسهم هذا النهج في توسيع مشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص ضمن منظومة متكاملة تدعم الجهود الحكومية، وتحوّل التضامن الإنساني إلى مسؤولية مشتركة، وبهذا النهج المتكامل، يرسّخ العمل الإنساني السعودي حضوره بوصفه نموذجًا مؤسسيًا معاصرًا في التضامن الإنساني العالمي، يجمع بين البعد القيمي، والفاعلية العملية، والاستدامة التنموية، ويؤكد مكانة المملكة كفاعل مؤثر في دعم الاستقرار الإنساني على الساحة الدولية. توزيع سلال غذائية للمحتاجين الاعتناء بصحة كبار السن ابتسامة وعودة أمل