تسارعت وتيرة تبنّي الذكاء الاصطناعي في مختلف أنحاء المنطقة بوتيرة غير مسبوقة، بعد أن انتقلت من نهج متدرّج إلى مستوى تبني متسارع. فما كان يُعدّ قبل عام واحد فقط خطوة طموحة أو استثنائية، أصبح اليوم جزءاً من المتطلبات الأساسية للأعمال. وتطالب مجالس إدارات الشركات بعوائد واضحة وقابلة للقياس، فيما تتجه العمليات التشغيلية بشكل متزايد نحو الأتمتة، ويزداد توقّع العملاء للحصول على تجارب ذكية وسلسة في كل نقطة تفاعل. وفي منطقة تتسم بخصوصية واضحة، من تحديات الطاقة، وتعقيدات الأطر التنظيمية ومتطلبات السيادة، إلى الأنظمة الموروثة وتنوّع الأسواق، لم تعد المؤسسات تكتفي بتجربة الذكاء الاصطناعي، بل باتت تعمل على توسيع نطاق تبنيه بشكل منهجي ومدروس. وفي ضوء هذا التحوّل، تبرز ستة اتجاهات رئيسية يُرجّح أن ترسم ملامح المرحلة المقبلة. 1. السرعة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي، هي المعيار الجديد لم تعد السرعة ميزة تنافسية فحسب، بل أصبحت معياراً أساسياً لتقييم الأداء والنجاح. فبعد أن شكّلت التعقيدات التنظيمية والعمليات العابرة للحدود عامل إبطاء للأعمال في السابق، يأتي الذكاء الاصطناعي اليوم ليعيد رسم هذه المعادلة. وتقود دول مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية هذا التحوّل من خلال استراتيجيات وطنية واضحة للذكاء الاصطناعي تهدف إلى تسريع الأتمتة وتعزيز الكفاءة. وباتت العديد من الإجراءات الروتينية تُنجز خلال ثوانٍ، سواء في الخدمات الحكومية أو في مراكز خدمة العملاء، حيث يسهم الذكاء الاصطناعي التوليدي في تحسين الكفاءة التشغيلية. وستكون المؤسسات التي تبادر إلى التبنّي السريع، وتدعمه ببنية تحتية ذكية، الأقدر على ترسيخ موقعها في الاقتصاد الرقمي الإقليمي. 1. إعادة تهيئة البنية التحتية لعصر الذكاء الاصطناعي لا تزال نسبة كبيرة من البنية التحتية المؤسسية في المنطقة غير مهيّأة بالكامل لاستيعاب متطلبات الذكاء الاصطناعي المتنامية. فالبيانات غير المهيكلة، التي تشكّل الأساس لمعظم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، تنمو بوتيرة متسارعة، ما يفرض ضغوطاً متزايدة على الأنظمة التقليدية. ومن المتوقع أن تتجه المؤسسات خلال عام 2026 إلى نماذج هجينة، تجمع بين الاحتفاظ بالأحمال الحساسة داخل بيئاتها الخاصة لضمان الأمن والتحكم بالتكاليف، والاستفادة من الحوسبة السحابية لتحقيق المرونة وقابلية التوسّع. كما ستسهم الحواسيب المدعومة بالذكاء الاصطناعي في نقل القدرات الذكية إلى الأطراف، وتقليل زمن الاستجابة، مع الحفاظ على سيادة البيانات. وهذا يعني تبني استراتيجيات بنية تحتية مرنة مصممة خصيصاً لمتطلبات أحمال العمل. فالمؤسسات التي تعتمد على الحوسبة السحابية فقط، تخاطر بفقدان السيطرة على نقاط تميزها ومواجهة تكاليف متزايدة بشكل متصاعد. 1. استهلاك الرموز وإعادة تشكيل مجموعة التقنيات بأكملها تولّد التفاعلات القائمة على الذكاء الاصطناعي، سواء في مجال خدمة العملاء أو في أنظمة الامتثال، كميات متزايدة من "الرموز" التي تمثّل الوقود الفعلي لهذه التطبيقات. ومع تسارع معدلات الاستهلاك بوتيرة تفوق نمو القدرة الحاسوبية، بات من الضروري إعادة النظر في مجموعة التقنيات بأكملها، بما يشمل التخزين والشبكات والأمن. وستحظى المؤسسات التي تستثمر في وحدات معالجة رسومية متقدمة، وشبكات عالية الأداء، وأنظمة تنسيق مرنة، بقدرة أفضل على تقديم تجارب ذكاء اصطناعي مستقرة وقابلة للتوسّع، تلبي متطلبات الأداء المتزايدة، بالتوازي مع التطور المستمر لمشهد التكنولوجيا. 1. النماذج اللغوية المصغّرة: نقل الذكاء إلى الأطراف يشهد مشهد الذكاء الاصطناعي تحولاً متزايداً من النماذج المركزية الضخمة إلى أنظمة موزعة تعتمد على نماذج لغوية مصغّرة وموفّرة للطاقة تعمل عند الأطراف. وتكتسب هذه المقاربة أهمية خاصة في البيئات التي تواجه تحديات تتعلق بتكاليف الطاقة أو التوزع الجغرافي للعمليات. وتستفيد قطاعات مثل التعدين والتصنيع بشكل ملحوظ من هذا التحوّل، إذ يتيح تشغيل الذكاء الاصطناعي على الأجهزة الطرفية تقليل زمن الاستجابة، وتعزيز الخصوصية، وضمان استمرارية التشغيل حتى في البيئات ذات الاتصال المحدود. وستعيد هذه التغييرات تعريف الصناعات التي تعتمد على العمليات عن بعد أو العمليات الحساسة. 1. الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني: مساران لا ينفصلان مع تنامي تبني الذكاء الاصطناعي عبر مختلف وظائف الأعمال، يبرز الأمن السيبراني بوصفه أحد أبرز التحديات المصاحبة لهذا التحوّل. إذ تشهد المنطقة تصاعداً في التهديدات السيبرانية، مدفوعة بتطوّر أدوات الهجوم المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التوليدي. ولتأمين أحمال العمل المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ستتجه المؤسسات إلى تبنّي بيئات هجينة وأطر عمل الثقة المعدومة، فيما ستؤدي الحواسيب المدعومة بالذكاء الاصطناعي والأجهزة الطرفية دوراً محورياً في معالجة التهديدات محلياً دون التأثير في الإنتاجية. وفي منطقة تعطي الأولوية للمرونة الرقمية، سيصبح الأمن السيبراني ركيزة أساسية لاستراتيجية الذكاء الاصطناعي وليس مكمّلاً لها. 1. روبوتات الذكاء الاصطناعي: الأفق الجديد يمتد تأثير الذكاء الاصطناعي ليشمل عالم الروبوتات، حيث ينتقل من نماذج البرمجة المحددة إلى أنظمة أكثر مرونة تعتمد على التعلّم القائم على الأهداف. وقد بدأت الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تتولى تنفيذ المهام المتكررة أو الخطرة في قطاعات مثل الزراعة والطاقة. وفي البيئات الريفية أو النائية، تُستخدم الطائرات المسيّرة لمراقبة المحاصيل وتحسين إنتاجيتها، فيما تقوم الروبوتات الذكية بفحص شبكات الطاقة وصيانة البنية التحتية الحيوية بشكل مستقل. وسيسمح هذا التطور للشركات بالعمل على نطاقات وسرعات لم تكن ممكنة من قبل، ما يمثل قفزة كبيرة في مجال الأتمتة المادية. الآفاق المستقبلية يتسارع السباق نحو دمج الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء المنطقة. فالسرعة، والبنية التحتية الحديثة، والذكاء الطرفي، والأتمتة المادية، تمثل جميعها عناصر تشكل جزءاً من تحول شامل. والفرصة هنا هائلة، لكن الحاجة إلى التحديث ملحة للغاية. وسيُكافئ عام 2026 الشركات التي تعمل بسرعة، وتتحرك بمسؤولية، وتُدمج الذكاء الاصطناعي في صميم عملياتها. وهنا لم يعد السؤال هو ما إذا كان ينبغي تبني الذكاء الاصطناعي، بل ما إذا كانت مؤسستك مستعدة لتحقيق سبق في هذا المجال. * نائب الرئيس الأول لمنطقة أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا في شركة دِل تكنولوجيز