من البديهي في أي منظومة كروية ناجحة أن يكون المنتخب الوطني هو الهدف الأعلى، وأن تُدار الأندية وتُبنى السياسات الرياضية بما يخدم هذا الهدف الاستراتيجي، لا العكس، فالمنتخب هو الواجهة، وهو العنوان، وهو المعيار الحقيقي لتقدم كرة القدم في أي دولة. غير أن الواقع الذي نعيشه اليوم يكشف عن اختلال واضح في الأولويات، حيث أصبح الاهتمام بالأندية من أجل الأندية فقط، بعيدًا عن أي اعتبار لمصلحة المنتخب ومستقبله، الأمر الذي قاد إلى نتائج سلبية بدأت تتجلى بوضوح على مستوى الأداء والنتائج. في التجارب الكروية الرائدة حول العالم، تُمنح الأندية المساحة والدعم والاستثمار، لكن ضمن رؤية شاملة تضع تطوير اللاعب المحلي في صلب المشروع، وتربط نجاح الأندية بنجاح المنتخبات. بينما تحولت لدينا المنافسة بين الأندية إلى سباق محموم لتحقيق البطولات الآنية، ولو كان الثمن تهميش اللاعب المحلي، أو تقليص فرصه، أو حتى تجميد تطوره. النتيجة الطبيعية لهذه الفلسفة المقلوبة هي أن الأندية قد تكسب بطولة، أو تحقق مركزًا متقدمًا، لكن المنتخب يخسر على المدى المتوسط والبعيد، وهو ما نراه اليوم بوضوح. أحد أبرز الإشكالات التي تعاني منها كرة القدم السعودية في المرحلة الحالية هو العدد الكبير من اللاعبين الأجانب في الأندية، حيث وصل العدد إلى ثمانية لاعبين أجانب في الفريق الواحد، هذا العدد، وإن كان قد رفع من القيمة التسويقية للدوري وزاد من بريقه الإعلامي، إلا أنه في المقابل ألحق ضررًا بالغًا باللاعب المحلي. اللاعب السعودي أصبح: * حبيس دكة البدلاء. * قليل المشاركات. * محدود التأثير. * ضعيف الحضور التنافسي. ومع قلة دقائق اللعب، تراجع الاهتمام بتطويره، وضعف السباق بين الأندية للظفر بخدماته، لأن البديل الأجنبي حاضر دائمًا، وجاهز، وأحيانًا أقل مخاطرة من وجهة نظر إدارات الأندية والمدربين. حين يغيب اللاعب المحلي عن التشكيلة الأساسية في ناديه، فمن الطبيعي أن يصل إلى المنتخب وهو: * يفتقد حساسية المباريات. * يعاني من ضعف الجاهزية. * يفتقر للثقة والاستمرارية. وهنا يصبح المنتخب هو الضحية الأولى، لأنه يُجبر على الاعتماد على لاعبين لا يلعبون بانتظام، ولا يعيشون أجواء المنافسة الحقيقية أسبوعًا بعد أسبوع، وهذا الخلل لا يمكن تعويضه بمعسكرات قصيرة أو مباريات ودية محدودة. كأس العرب نموذجًا للخلل المستويات التي قدمها المنتخب السعودي في بطولة كأس العرب الأخيرة لم تكن على مستوى الطموح، لا من حيث الأداء، ولا من حيث الانسجام، ولا من حيث الحضور الذهني والبدني، ورغم اختلاف الظروف والتبريرات، فإن الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها هي أن ما ظهر به المنتخب كان انعكاسًا مباشرًا لما يحدث في الدوري المحلي. منتخب يفتقر إلى: * لاعب جاهز بدنيًا وذهنيًا. * بدلاء على نفس المستوى. * حلول فنية متنوعة. وكل ذلك يعود إلى أن القاعدة الأساسية، وهي اللاعب المحلي في ناديه، لم تُبنَ بالشكل الصحيح. لا أحد يعارض وجود اللاعب الأجنبي، بل إن وجوده ضرورة فنية وتسويقية، لكنه يجب أن يكون وسيلة للتطوير لا أداة للإقصاء، اللاعب الأجنبي يجب أن: * يرفع مستوى التنافس. * ينقل الخبرة. * يخلق بيئة احترافية. لا أن يكون بديلاً كاملاً للاعب المحلي، أو سببًا في تجميده وإبعاده. ما نحتاجه اليوم ليس قرارات انفعالية، بل مراجعة شاملة للسياسات الفنية والتنظيمية، تبدأ من: * إعادة النظر في عدد اللاعبين الأجانب. * فرض دقائق لعب إلزامية للاعب المحلي. * ربط نجاح الأندية بمخرجاتها للمنتخب. * دعم الفئات السنية بشكل حقيقي لا شكلي. فالمنتخب لا يُبنى في شهر، ولا يُجهز قبل بطولة بأسابيع، بل هو نتاج عمل تراكمي يبدأ من الأندية، ومن دقائق اللعب، ومن الثقة باللاعب المحلي. خلاصة القول: الاهتمام بالأندية أمر ضروري، لكن الاهتمام بالأندية من أجل الأندية فقط هو طريق مختصر نحو إضعاف المنتخب، وإذا استمر هذا النهج، فقد نكسب دوريًا قويًا شكليًا، لكننا سنخسر منتخبًا قادرًا على المنافسة القارية والدولية. المنتخب هو المرآة الحقيقية لكرة القدم السعودية، وإذا لم نضعه في صدارة الأولويات، فعلينا ألا نستغرب تراجع النتائج، ولا خيبة الطموح، ولا اتساع الفجوة بين الإمكانات وما يتحقق على أرض الملعب. وليد بامرحول