من الطبيعي أن تسعى الجهات الرياضية في المملكة العربية السعودية لرفع قيمة الدوري السعودي للمحترفين، سواء على مستوى القوة التنافسية أو على مستوى السمعة العالمية، فهذا بلا شك إنجاز يحسب لصانعي القرار ويمثل نقلة نوعية في خارطة الرياضة السعودية، ولا يمكن أن يقف عاقل ضد هذه الخطوة، لأن بناء دوري قوي وجاذب يعني رفع اسم المملكة عالميًا، وتعزيز مكانتها الرياضية، وزيادة العوائد الاستثمارية والاقتصادية. إحدى أهم الخطوات التي ساعدت على تطوير الدوري هي السماح بزيادة عدد اللاعبين الأجانب، وهي خطوة عملية أسهمت في رفع جودة المباريات، وأعطت الجماهير متعة مشاهدة نجوم عالميين داخل الملاعب السعودية، بل إن الأندية نفسها أصبحت أكثر جدية في الاستثمار الكروي، وانتقلنا من مرحلة كانت فيها الأندية تتنافس بقوة على خطف اللاعب المحلي، إلى مرحلة أكثر تطورًا حيث أصبح التنافس ينصبّ على جلب لاعب أجنبي قادر على صناعة الفارق، وبلا شك، انعكست هذه النقلة على شكل الدوري الذي بات يحظى بمتابعة عالمية وإشادة إعلامية دولية، لكن هنا تبرز المعضلة: ماذا عن المنتخب الوطني؟ إذا كانت الأندية تعتمد بشكل شبه كامل على الأجانب لصناعة الفارق وتحقيق البطولات، فكيف سيجد اللاعب السعودي الفرصة للتطور والمنافسة؟ وكيف سيحافظ المنتخب على قوته إذا كان معظم العناصر المؤثرة في الأندية تنتمي لمنتخبات أخرى؟ في نهاية المطاف، اللاعب الأجنبي يخدم ناديه، لكنه يخدم منتخب بلاده لا المنتخب السعودي. هنا تظهر الحاجة الماسة إلى خطط استراتيجية متوازنة، بحيث لا يطغى الاهتمام بالدوري على حساب المنتخب. فالهدف الأسمى لأي اتحاد كروي ليس فقط نجاح مسابقاته المحلية، وإنما بناء منتخب قوي قادر على المنافسة في المحافل القارية والعالمية، والدليل أن معظم المنتخبات التي حققت بطولات كبرى مثل كأس العالم أو أمم أوروبا، اعتمدت على دوريات محلية قوية، ولكنها أيضًا وفرت برامج ممنهجة لصناعة نجم محلي قادر على منافسة الأجنبي داخل الملعب. إذن، من الضروري: 1- إيجاد توازن بين الاستفادة من الأجانب في رفع مستوى الدوري، ومنح الفرص للاعب السعودي ليطور نفسه. 2- بناء أكاديميات وطنية على مستوى عالمي تضمن تخريج أجيال جديدة من اللاعبين المحليين القادرين على الاحتراف في الخارج، لا الاكتفاء بالمنافسة داخليًا. 3- إلزام الأندية بخطط تطوير اللاعب المحلي، سواء عبر نسبة مشاركة معينة، أو برامج تدريبية متقدمة توازي ما يحصل عليه اللاعب الأجنبي. 4- تشجيع احتراف اللاعب السعودي خارجيًا، فاللعب في بيئات كروية مختلفة يعزز خبراته ويعود بالنفع على المنتخب الوطني. خلاصة القول: نعم، نحتاج إلى دوري قوي يرفع من قيمة المملكة عالميًا، لكن المنتخب هو واجهة الوطن، وهو المقياس الحقيقي لتطور كرة القدم السعودية، فإذا لم يواكب هذا التطوير خطط واضحة لبناء اللاعب المحلي، فسنكون أمام دوري عالمي ونجوم أجنبية لامعة، لكن منتخب يفتقد للعمق والقدرة على المنافسة. وليد بامرحول