في عالمٍ تتداخل فيه المصالح الجيوسياسية مع الفضاء الرقمي، تحوّل الأمن السيبراني من شأن تشغيلي إلى أحد أعمدة السيادة الوطنية ومؤشرات القوة الشاملة للدول، ومن هذا المنطلق، يكتسب الإنجاز الذي حققته شركة سيبراني، إحدى شركات أرامكو الرقمية، في تقييمات MITRE ATT&CK لعام 2025 أهمية تتجاوز الإطار المهني، يحمل دلالات استراتيجية تتصل بتقدم المملكة في مشهد الأمن السيبراني العالمي وتصديرها للشرق الأوسط في المجال. إعلان سيبراني عن تحقيقها لنسبة 100 % لسبع اختبارات في تقييمات MITRE ATT&CK، لا يمكن قراءته باعتباره نتيجة اختبار فني فحسب، بل بوصفه انعكاسًا لنضج منظومة وطنية استثمرت بعمق في بناء القدرات، وتوطين المعرفة، وربط الابتكار التقني بالأمن الوطني، خاصة إذا علمنا أن إطار MITRE ATT&CK يُعد اليوم المرجعية الأقوى عالميًا في مقياس مدى استجابة الأنظمة السيبرانية للتهديدات، ويُستخدم من قبل الحكومات والمؤسسات الكبرى كمؤشر لكفاءة تلك الأنظمة. تحقيق سيبراني تغطية كاملة لأساليب جمع المعلومات، والوصول إلى بيانات الدخول، وتنفيذ البرمجيات الخبيثة، وسرقة البيانات، والحركة الجانبية داخل الشبكات، والتواجد المستمر، وأنشطة الاستطلاع، يعكس قدرة عالية على قراءة دورة الهجوم السيبراني من بدايتها إلى نهايتها، وهذه القدرة لا تُبنى في المختبرات فقط، بل تتشكل عبر خبرة تراكمية في حماية بيئات حيوية وبنى تحتية حساسة، وهو ما يمنح هذا الإنجاز بعدًا عمليًا يتجاوز المقارنات النظرية. الأهمية الاستراتيجية لهذا التقدم تتجلى بجلاء عند النظر إلى طبيعة اختبارات MITRE نفسها، فهي لا تقوم على منح درجات أو ترتيب تنافسي تقليدي، بل على الشفافية الكاملة في عرض أداء الحلول الأمنية أمام سيناريوهات هجومية تحاكي سلوك جهات تهديد حقيقية، وفي هذا السياق، فإن اجتياز سيبراني لهذه الاختبارات نتائج متقدمة يضعها في مقدمة الجهات القادرة على العمل ضمن أعلى معايير القياس الدولية، ويمنح صناع القرار والعملاء رؤية دقيقة حول مستوى النضج والموثوقية. غير أن ما يلفت النظر أكثر من النتائج الفنية، هو حصول سيبراني على مقعد في المجلس الاستشاري لتقييمات MITRE ATT&CK، وتمثل هذه الخطوة انتقالًا نوعيًا من موقع المتلقي للتقييم إلى موقع المساهم في صياغة منهجياته المستقبلية، فضلًا عن كونها رسالة واضحة أن الخبرة السعودية في مجال الأمن السيبراني لم تعد محصورة في نطاق محلي أو إقليمي، بل باتت شريكًا في تطوير الأطر العالمية نفسها، بما يضمن مواءمتها مع احتياجات بيئات تشغيل متنوعة، بما في ذلك البيئات الصناعية والطاقة والبنى التحتية الحرجة. هذا الحضور في المجلس الاستشاري يعكس أيضًا ثقة المجتمع الدولي في كفاءات سيبراني الوطنية، ويؤكد أن المملكة لم تعد فقط مستهلكة للتقنيات السيبرانية، بل مساهمة فاعلة في إنتاج المعرفة والمعايير، وهو ما ينسجم مع التوجه الأوسع لرؤية السعودية 2030، التي أولت الأمن السيبراني مكانة مركزية ضمن مسارات التحول الرقمي وحماية الاقتصاد الوطني. من زاوية تشغيلية، أتاحت تقييمات 2025 لسيبراني فهمًا تفصيليًا لأداء منظوماته في كل مرحلة من مراحل الهجوم، وحددت بدقة مناطق القوة ومجالات التحسين، وهذه المخرجات، كما هو معلوم في صناعة الأمن السيبراني، لا تقل أهمية عن النتائج النهائية؛ إذ تُستخدم لتغذية خرائط الطريق التطويرية، وتحسين آليات الضبط والمعايرة، وتعزيز الجاهزية المستقبلية في مواجهة تهديدات تتغير بوتيرة متسارعة. خلاصة القول، إن ما حققته شركة سيبراني، يمثل نموذجًا لتحول سعودي واعٍ في مجال الأمن السيبراني: من بناء القدرات، إلى اختبارها عالميًا، ثم الإسهام في تطوير معاييرها، وهو مسار يعزز ثقة الداخل، ويرسّخ حضور المملكة لاعبًا مؤثرًا في معادلة الأمن الرقمي العالمي، في زمن أصبحت فيه السيطرة على الفضاء السيبراني جزءًا لا يتجزأ من معادلة الاستقرار والسيادة.. دمتم بخير.