في هذه الزاوية ستأخذنا إلى عوالم القراءة هيفاء العمري قاصة وكاتبة صدر لها مجموعة قصصية بعنوان «وشايات» عام 2018، خريجة قسم الأحياء من جامعة الطائف، مهتمة بالأدب الروائي والقصصي، والسينمائي والحركة الثقافية. من خلال ما اطلع عليه مؤخراً وتوصي القراء بقراءتها. الجمال جُرح إكا كورنياوان عملٌ روائي يستعيد تاريخ إندونيسيا الحديث عبر حكاية تنبض بالأساطير، العنف، والجمال الملوّث. تنطلق الرواية من عودة ديوي أيّو من بين الأموات، لتعيد فتح جراح عائلتها المكوّنة من بنات لكل واحدة منهن قدرٌ يشي بانكسار الجسد والروح. عبر هذه العودة الرمزية يبني الكاتب سرداً يمزج الواقعي بالخيالي، ويكشف تاريخًا من القهر السياسي والاقتصادي. تغطي الرواية حقبًا محورية؛ الاستعمار الهولندي، الاحتلال الياباني، ثم صعود الحركات القومية والاضطرابات التي رافقت الاستقلال. وتتقصى القمع والفساد عبر الأنظمة المختلفة، خاصة في تصويرها الصادم لمذابح 1965. يظهر البعد الثقافي من خلال استدعاء المخيال الشعبي وتعدد الأعراق. بينما يركز البعد الاقتصادي على تحول الاستغلال من الاستعمار إلى رأسمالية النخبة الفاسدة. كل مرحلة تُقدَّم من خلال أثرها على الناس العاديين، وعلى النساء تحديدًا، اللواتي يتحولن إلى أجساد تتلقى عنف الجيوش، وعنف الفقر، بهذا تطرح الرواية سؤالًا مركزيًا: كيف يُعاد تشكيل الجمال في مجتمع ذاق كل أشكال القسوة؟ الجمال هنا ليس نعمة، بل لعنة، ومصدرًا للهيمنة والاستغلال. تكشف الرواية تباينات الطبقات في مدينة هاليمون الخيالية، حيث تتحكم قوى الاستعمار ثم السلطة المحلية في الموارد وفرص العمل. لتبدو الرواية مرآة لبلد يحاول أن يعرّف نفسه بعد قرون من الهيمنة. وفي النهاية، «الجمال جرح» ليس عن الجمال فقط، بل عن مجتمع كامل يتذكر ماضيه عبر ندوبه. التخلف الاجتماعي لمصطفى حجازي يفتح المؤلف نافذةً على أعماق النفس الإنسانية التي أنهكها القهر وأتعبها الاستلاب، إنه ليس مجرد دراسة تحليلية، بل هو رحلة وجدانية وفكرية تغوص في أغوار ذلك الكائن الذي حُرم إرادته، فبات يعيش على هامش ذاته، غريباً عن حقيقة وجوده. يُقدّم الكتاب تشريحاً دقيقاً للعلاقة المتبادلة بين القاهر والمقهور، مُسلطاً الضوء على الآليات النفسية المعقدة التي ينتجها هذا النظام؛ حيث يتحول القهر إلى حالة لا واعية، فيعتاد المقهور ثقافة الخضوع ويتبنى منطق الخانع، فيصبح شريكاً، عن غير وعي، في تدوير بؤسه وإدامة حلقة التخلف. من خلال لغة تجمع بين رصانة البحث العلمي وعمق التحليل النفسي، يبحث الكتاب في كيفية تشكيل هذه الديناميكية للوعي الفردي والجمعي، وكيف تُنتج مجتمعاتٍ تكرّس التبعية وتُمجّد السلبية. إنه يمسك بجراحنا العربية المُزمنة ويكشف عن جذورها الممتدة في تربتنا النفسية والاجتماعية. هذا العمل ليس تشخيصاً للعلة فحسب، بل هو أيضاً إضاءة على الطريق، محاولاً فك شيفرة الاستلاب لعلّ في فهمها مفتاحاً للانعتاق. إنه دعوة صامتة لاستعادة الذات من براثن القهر الموروث، واسترداد الإرادة المغيّبة، نحو بناء إنسان جديد، يؤمن بكرامته ويبحث من أجل استعادتها. الكوارث العالمية لبيل ماجواير بسم الفضول المعرفي، وبقلبٍ يدرك هشاشة وجودنا، نغوص في كتاب «الكوارث العالمية» مخاطر الحدث الأكثر ترويعًا على الأرض» للخبير البيئي بيل ماجواير. لا يقدم هذا الكتاب مجرد سردٍ مرعبٍ للكوارث الطبيعية المحتملة، بل هو تحليلٌ علميٌ عميقٌ وجولةٌ استقصائيةٌ مذهلة في أكثر السيناريوهات التي تهدد كوكبنا إثارةً للقلق. يتجاوز ماجواير الكوارث المألوفة كالزلازل والأعاصير، ليستعرض بأسلوبٍ أدبيٍّ مشوّقٍ ورصين، تهديداتٍ وجوديةً هائلةً تبدو وكأنها خارجة من فيلم خيال علمي، لكنها قائمة على أدلة علمية صلبة. يناقش الكتاب بعين العالم الثاقبة إمكانية حدوث انفجارات بركانية هائلة، أو اصطدام كويكبات عملاقة، أو انعكاس في المجال المغناطيسي للأرض، والعواصف الشمسية المدمرة، وصولاً إلى الأوبئة الفتاكة والحروب النووية. القيمة الحقيقية للكتاب لا تكمن في تخويف القارئ، بل في تحذيره وتوعيته. فهو يشرح الآليات الجيوفيزيائية المعقدة لهذه الأحداث بطريقةٍ مفهومة، مع التركيز على كيفية استعداد البشرية، علميًا وتقنيًا ومجتمعيًا، لمواجهة هذه التحديات الوجودية. إنه دعوةٌ ملحةٌ إلى التواضع أمام قوى الطبيعة الجبارة، وإلى تعزيز التعاون العالمي لتعزيز مرونتنا كحضارة. ست نزهات في غابة السرد لأمبرتو إكو عمل نقدي مثير للإمبراطور السيميائي والفيلسوف الإيطالي أمبرتو إكو، يستند إلى سلسلة محاضرات ألقاها في جامعة هارفارد. بعيداً عن كونه دليلاً تقنياً، يقدم الكتاب ست «نزهات» تأملية في غابة القصص والسرد، مستكشفاً آليات سرد الحكاية وتحليلها. يركز إكو على مفاهيم مثل «المؤلف النموذجي» و»القارئ النموذجي»، مناقشاً كيفية بناء النصوص وتأويلها. ينطلق من أعماله الروائية مثل «اسم الوردة» و»بندول فوكو» بالإضافة إلى نصوص كلاسيكية، ليبين كيف تخلق النصوص تحالفات مع قرائها وتتطلب مشاركتهم الفاعلة في ملء الفراغات وبناء المعنى. الاقتصاد كما أشرحه لابنتي ليانيس فاروفاكيس يا لها من دهشة يحملها الكاتب يانيس فاروفاكيس إلى القراء بين صفحات هذا الكتاب، كتب في أول ورقة يقول: (بصفتي أستاذاً في علم الاقتصاد أعتقد على الدوام أنه إن لم يكن في وسعكم شرح الاقتصاد بلغة بسيطة يستطيع الشبان فهمها فأنتم ببساطة شديدة جاهلون). الكتاب شرح عميق وصريح للواقع الاقتصادي السياسي والانعكاسات الاجتماعية والنفسية على البشر، يبدأ بشرح تاريخ نشوء الأسواق وتطورها، ويتعمق ويتشعب حتى يصل إلى المشاكل التي تلقي بظلها على العالم اليوم، ويتبع في شرحه الطريقة التصاعدية والتشويقية بلغة بسيطة وجذابة، يستخدم فيها أمثلة من الأدب والأساطير، والسينما بشكل ممتاز ليصل بالقارئ إلى الهدف، إنه من الكتب التي تجعلك مستعداً لمواجهة الحقيقة والتعامل معها كما هي بدون آمال زائفة. هو ليس كتاباً اقتصادياً تقليدياً، بل رحلة فكرية تزرع فيك بذور التفكير النقدي، ويطرح الإجابات ليكون القارئ قادراً بها على فك شفرة العالم، وربما المساهمة في صنع عالم اقتصادي أكثر إنسانية وعدلاً في المستقبل.