اكتسبت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، إلى الولاياتالمتحدة أهمية استثنائية، فهي تُعد قمة اقتصادية واستثمارية بامتياز، تهدف إلى تجاوز الأطر التقليدية للتعاون بين البلدين، وتأسيس شراكات نوعية تدعم مستهدفات رؤية 2030 لتعميق التنويع الاقتصادي السعودي. المحور الرئيس للمباحثات هو كيفية تحويل الطموحات السعودية في القطاعات الجديدة إلى واقع ملموس عبر نقل التكنولوجيا واستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، لترسيخ موقع المملكة كقوة اقتصادية وتحول إقليمي لا غنى عنها. قوة اقتصادية ومناخ جاذب تأتي هذه الزيارة مدعومة بقوة الاقتصاد السعودي، الذي أثبت متانته وحيويته ليصبح أحد أهم أعضاء مجموعة العشرين K (G20) وبفضل القيادة الرشيدة والرؤية الاستشرافية التي أطلقت رؤية 2030، تحول الاقتصاد السعودي إلى نموذج متنوع وجاذب للاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء. فالبرامج الإصلاحية الممنهجة أسهمت في خلق مناخ استثماري مثالي يستوعب جميع أنواع رؤوس الأموال، ويقلل من المخاطر التشغيلية، ويسهل الإجراءات اللوجستية، مما جعل المملكة وجهة مفضلة لكبرى الشركات العالمية الباحثة عن النمو في أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذا التنوع الاقتصادي، الذي يعتمد على محركات غير نفطية متزايدة، يمنح الشراكة مع الولاياتالمتحدة أساساً صلباً. تأكيداً على استدامة الشراكة: منتدى الاستثمار يعزز التكامل وفي سياق تأكيد استدامة التعاون الاقتصادي بين البلدين، يجري الاستعداد حالياً لاحتضان نسخة جديدة من منتدى الاستثمار السعودي - الأميركي 2025 في واشنطن، وسط تطلعات لتحقيق نجاح أكبر في مسيرة الشراكة. ويُجسد هذا المنتدى الالتزام المشترك بتعزيز الشراكات الاستراتيجية في القطاعات المحركة لمستقبل الاقتصاد العالمي، حيث يركز الحدث على تبادل الخبرات وتوسيع الاستثمارات بما يعزز آفاق التكامل والتنمية. ومن المتوقع أن يجمع المنتدى أصحاب الرؤى والقادة وصنّاع التغيير من الجانبين، لإطلاق مناقشات معمّقة حول الاتجاهات العالمية وفرص الاستثمار الجديدة التي تشكل ملامح المرحلة المقبلة من العلاقات الاقتصادية بين المملكة والولاياتالمتحدة. هذا التأكيد على التلاقي المنتظم بين مجتمعات الأعمال يعكس الثقة المتبادلة في جدوى الاستثمار طويل الأجل في ظل رؤية 2030. الذكاء الاصطناعي وصناعة الرقائق: ريادة المركز العالمي الجديد تتصدر ملفات التعاون هدف المملكة الطموح بأن تكون مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي والتقنيات العميقة. هذا الهدف الطموح يتطلب استثمارات ضخمة وشراكات استراتيجية مع كبريات الشركات والجامعات الأميركية الرائدة في هذا المجال، لضمان بناء منظومة متكاملة تشمل البنية التحتية، والتشريعات التنظيمية المتقدمة، والمواهب البشرية المدربة على أعلى مستوى. يرتبط هذا المسعى مباشرة بضرورة توطين صناعة الرقائق الإلكترونية (أشباه الموصلات) على الأراضي السعودية، حيث لا يُنظر إلى هذه الصناعة على أنها مجرد استثمار صناعي، بل هي صمام أمان للأمن القومي والاقتصادي في العصر الرقمي، تتيح للمملكة تأمين سلاسل إمدادها الرقمية، وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، وتغذية متطلبات مشاريعها الضخمة مثل مدينة ذا لاين في نيوم ومراكز بياناتها التي يتم تطويرها لتكون الأكبر في المنطقة. هذا التعاون يركز على تفعيل الشراكة في تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في قطاعات الطاقة والرعاية الصحية. التصنيع العسكري وتوطين الصناعات النوعية: تعزيز الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات النوعية، تتجه المملكة بخطوات ثابتة نحو تحقيق هدفها بتوطين 50 % من إنفاقها العسكري بحلول عام 2030، وذلك بالتعاون مع شركات الدفاع الأميركية الكبرى. هذه الزيارة تُعزز الشراكات لنقل تكنولوجيا التصنيع المتقدمة، وليس مجرد التجميع، لإنشاء قاعدة صناعية دفاعية متطورة على أرض المملكة من خلال شركات عالمية متخصصة. هذا التوطين يتجاوز القطاع العسكري ليشمل صناعات ذات قيمة مضافة عالية، مثل الصناعات الكيميائية التخصصية، وصناعات قطع غيار الطائرات والمعدات الثقيلة، ويتم التركيز على استقطاب المصانع التي تقدم تكنولوجيا فريدة وابتكاراً مستداماً، مما يدعم بشكل مباشر نمو الناتج المحلي غير النفطي. الطاقة النووية السلمية والهيدروجين: ضمان المستقبل المستدام لمشروعات نيوم يمثل التعاون في المجال النووي السلمي ركيزة أساسية لضمان استقرار مزيج الطاقة السعودي. هذا التعاون لا يهدف فقط إلى توليد الكهرباء النظيفة والموثوقة، بل يفتح آفاقاً استثمارية واسعة في البنية التحتية النووية، وإدارة النفايات، وتدريب الكوادر البشرية المتخصصة. الهدف الأساسي هو ضمان إمداد مستدام للطاقة لتشغيل المدن المستقبلية مثل نيوم ومشروع البحر الأحمر بأقل بصمة كربونية ممكنة. إلى جانب ذلك، تُعزز الشراكات الأميركية الأجندة السعودية في مجال الطاقة الخضراء، وتحديداً الهيدروجين الأخضر والأزرق، لتمكين المملكة من ترسيخ مكانتها كأكبر مُصدّر للطاقة النظيفة عالمياً، والاستفادة من خبرات الشركات الأميركية في تقنيات التقاط الكربون وتخزينه. الاستثمار السعودي في أميركا: شراكات عكسية لدعم الأمن الصحي والعقاري تُعد هذه الزيارة فرصة لتعزيز حركة الاستثمار "العكسية"، أي استثمارات الصندوق السيادي السعودي والقطاع الخاص في الولاياتالمتحدة. تهدف المملكة إلى بناء شراكات استراتيجية في قطاعات حيوية أميركية، بما في ذلك الاستثمارات الكبيرة في صناعة العقار لضمان عوائد مالية مستدامة وتنويع للمحفظة الاستثمارية، الأهم من ذلك، يتم التركيز على الشراكة في صناعة الأدوية والبيوتكنولوجيا، والاستثمار في الشركات الأميركية المتخصصة لضمان أمن الإمداد الدوائي السعودي وتوطين البحث والتطوير الصيدلي، بالإضافة إلى استثمارات في المجالات الصحية المتقدمة التي تُعنى بالوقاية والعلاج المتخصص. هذا التعاون ينعكس مباشرة على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطن السعودي. المركز اللوجستي العالمي.. والموانئ بوابة التجارة العابرة تُركز المباحثات على تطوير الموانئ السعودية وتحويلها إلى مراكز عالمية لتجارة الترانزيت، مستفيدة من الموقع الجغرافي للمملكة كصلة وصل رئيسية بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا. هذا التطوير يشمل تبادل الخبرات الأميركية في إدارة وتشغيل الموانئ بذكاء اصطناعي، وتوسيع قدرتها الاستيعابية لتصبح ممراً أساسياً وحيوياً في سلاسل الإمداد العالمية. يتم بحث الاستثمار في تحديث البنية التحتية لموانئ رئيسة مثل ميناء جدة الإسلامي وميناء الملك عبدالعزيز بالدمام ليتناسب مع متطلبات التجارة العالمية الحديثة، وهو ما يُعزز مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي وفقاً لأهداف رؤية 2030. الثقافة والسياحة والرياضة: بناء الجسور الإنسانية والترفيهية لمشاريع ضخمة يمتد التعاون ليشمل بناء الجسور الثقافية والفنية، حيث يتم التركيز على زيادة برامج الابتعاث للطلاب السعوديين إلى الجامعات الأميركية المرموقة لضمان نقل أحدث العلوم والمعارف، وفي الوقت نفسه، بناء شراكات فنية وثقافية تُعزز التبادل الحضاري بين الشعبين. أما قطاع السياحة، فيشهد مناقشات حول جذب الاستثمار الأميركي لتطوير السياحة بأنواعها(الترفيهية، الثقافية، البيئية) في المشاريع العملاقة مثل نيوم، ومشروع البحر الأحمر، والقدية، وبوابة الدرعية. هذه المشاريع تتطلب خبرات أمريكية في التشغيل وإدارة المرافق السياحية العالمية الضخمة. ولا يغيب عن الأجندة ملف الاستثمار الرياضي، حيث يتم بحث شراكات استراتيجية لتبادل الخبرات الرياضية وتنظيم الفعاليات العالمية الكبرى، مما يُرسخ مكانة المملكة كمركز إقليمي للرياضة والترفيه، ويسهم في تطوير الصناعة الرياضية المحلية. خلاصة الرؤية الاستراتيجية تُشكل زيارة سمو ولي العهد إلى الولاياتالمتحدة تتويجاً لجهود مستمرة لتعزيز الشراكة من أجل المستقبل، فهي زيارة تأسيسية تضع الإطار التشغيلي لتحويل الأهداف الاستراتيجية السعودية، من التحول الرقمي والتنويع الصناعي إلى الأمن الصحي والغذائي، إلى واقع ملموس يخدم مصالح البلدين ويُعزز الاستقرار الاقتصادي العالمي، ويدعم بشكل مباشر إنجاز كافة المشروعات الطموحة التي تمثل الركائز الجديدة لاقتصاد المملكة.