في التصور الشومبتري الكلاسيكي الذي طوره فيليب أجيون، ينمو الاقتصاد بالهدم الخلاق: شركات صغيرة تصعد متحدية الكبار، فتربك السوق وتدفع الاقتصاد لأفق إنتاجي جديد. في مشهد الذكاء الاصطناعي الراهن، ولا سيما حول الذكاء الاصطناعي المفتوح، نجد هدما مفرغا في ابتكار تخفقه وتمتصه بيئة خلقتها الشركات العملاقة لتجرد محركيه الجدد من قوتهم التدميرية. تمثل حلقة التمويل المغلقة بين مايكروسوفت والذكاء الاصطناعي المفتوح في المثال الأبرز تحولا في التمويل، لكن في ثناياه تحول أكبر يعيد تشكيل ميزان القوى. فبدلا أن يخلق التمويل مساحة لمنافسين جدد، أصبح وسيلة لدمج المبتكرين داخل البنية التحتية للاعبين الكبار. بناء على ذلك تخضع الشركات الناشئة لشروط الشركات الكبيرة عندما توظف أدوات النمو التي تمتلكها، خالقة نظاما تمسك به من طرفيه: التمويل والتوريد. في نموذج التمويل الدائري المغلق، ينمو الناشئ على حساب استقلاليته، وتنعم الشركة الكبيرة بابتكار مجرد من المنافسة. مقايضة مصيرية، المال مقابل الحرية. تحت هذه الشروط القاسية يتأرجح الابتكار على حبل يشد ويرخى لعبور الفجوة التمويلية التي تسمى وادي الموت الكبير. منذ سنوات وأجيون يحذر من ممارسات الشركات الكبرى التي ما إن ترسخ وجودها تحولت من البحث عن الابتكار إلى حماية ريعها بأدوات مختلفة: النفوذ السياسي، والعقود الحصرية، والضغط التنظيمي، والشراكات التي تعزز موقعها التنافسي. لذلك يمكن أن نعد التمويل الدائري في الذكاء الاصطناعي إحدى آليات حماية الريع، بحيث تقلم أظفار الابتكار لينمو في مسار محدد للسيطرة على من له الحق في النمو ومن يبقى على الهامش. إنها بنية احتكارية مرنة، تستوعب الابتكار وتدجنه لصالح المنظومة، محافظة على نسبة من الهدم المقنن بحد أدنى من النحت وإعادة التشكيل. آثار المنظومة التي تمتلك شروط القوة والسيطرة على الاقتصاد واسعة. ففي التمويل الدائري وغيره من النماذج، يقل عدد المنافسين ويضمحل تأثيرهم، فإما أن تستقل العربة أو تسير حافيا بلا ممكنات حوسبية فائقة للنمو المستمر. يشجع النموذج ابتكارا دفاعيا، حيث يشجع الاستثمار الحد من الاضطراب لا خلقه. وتنعم هذه الاستثمارات بجوقة من الترويج لتقنيات دون أخرى بغض النظر عن القيمة الإنتاجية، ومن يخالف هذا التوجه يجد نفسه وحيدا يطرد في البرية يحارب طواحين الهواء. تهدد هذه البيئة قطاع الذكاء الاصطناعي بالانزلاق في منحدر الركود الشومبتري كما يسميه أجيون. ابتكار شكلي مدجن، منزوع السلاح، ومقلم الأظافر، يركد مضمونه مع الوقت. قد ينمو الاقتصاد بالأرقام، لكنه اقتصاد فاقد للحيوية التنافسية التي تحميه من الشيخوخة. ليس الخطر في التخلف التقني، الذي ربما غابت ملامحه، إنما في احتكار خيار التقدم واتجاهه في يد أقلية متنفذة. لذلك يأتي دور الحكومة في ضبط المنافسة بشروطها العادلة، بعيدا عن الحرية الشكلية التي تشيخ اليوم وتتكلس من الداخل تدريجيا، كما يبدو.