سعدت بحضور ملتقى مستقبل القطاع غير الربحي في نسخته الرابعة، والمنعقد تحت عنوان "دور القطاع في الدبلوماسية العامة"، أبحرت بين جلساته وخبرات متحدثيه لأجد نفسي أمام فضاء فكري زاخر، جمع بين الدبلوماسيين والقادة التنفيذيين وممثلي القطاعات الحكومية وغير الربحية، في حوارٍ عميقٍ وملهمٍ أكد من خلاله على أن العمل غير الربحي لم يعد هامشًا في منظومة التنمية، بل أصبح أحد الأعمدة الرئيسة في تحقيق رؤية السعودية 2030م، بما تحمله من طموح لتوسيع أثر هذا القطاع وتعظيم دوره في التنمية المستدامة والهوية الوطنية والعلاقات الدولية. وانطلاقًا من كوني ضمن منظومة وزارة التعليم، أستطيع أن أوكد على أن التعليم ليس مجرد نظام أكاديمي لنقل المعرفة، بل هو قوة ناعمة تُسهم في بناء مجتمعٍ واعٍ ومسؤول، قادرٍ على التفاعل مع متغيرات العصر، ومؤمنٍ بقيمة الإنسان كعنصرٍ رئيس في التنمية، فالمدارس والجامعات تمثل الفضاء الأول الذي يتعلّم فيه الفرد قيم العطاء والمبادرة والانتماء، ومن خلالها تُغرس في النفوس مبادئ التطوع والمسؤولية الاجتماعية، بوصفها جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية، ومظهرًا حضاريًا يعكس صورة المملكة العربية السعودية المشرقة أمام العالم، فالمناهج الدراسية، والأنشطة اللاصفّية، ومبادرات الشراكة المجتمعية ليست برامج مرافقة فحسب بل أدوات حقيقية تُهيئ جيلًا يدرك أن العمل غير الربحي ليس عملاً تطوعيًا فحسب، بل مسؤولية وطنية تسهم في تقدم الوطن واستدامة تنميته. وخلال حضوري للجلسات المتنوعة وبين حوارات المتحدثين وتجاربهم الملهمة، استحضرت الدور الحيوي الذي يؤديه التعليم في سياق الدبلوماسية العامة، فالمعلم حين يزرع في طلابه ثقافة الحوار والانفتاح والتسامح، يمارس فعلًا أصيلًا من أفعال الدبلوماسية المجتمعية، كما أن البرامج الأكاديمية، والبعثات التعليمية، والمبادرات التطوعية التي تتبناها الجامعات تمثل جسور تواصل حضاري، تُجسّد القيم السعودية في أبهى صورها، وتسهم في بناء صورة عالمية مشرفة للوطن، ومن خلاله نُخاطب العالم بلغة الفكر والمعرفة والقيم، ونُقدّم نموذجًا سعوديًا رائدًا في الاستثمار في الإنسان، وهو ما يجعل التعليم إحدى أقوى أدوات المملكة في بناء دبلوماسية ناعمة تقوم على التأثير والإلهام لا على القوة المادية. ومن أجمل ما حمله الملتقى هو تجسيد روح التكامل بين القطاعات المختلفة، فحين يتعاون التعليم مع الجمعيات والمؤسسات غير الربحية، يتضاعف الأثر وتتسع دوائر النفع، هذه الشراكات يمكن أن تفتح أبواب المعرفة أمام الفئات الأقل حظًا، وأن تُمكّن المرأة، وتُنمّي مهارات الشباب، وتُعزز البحث العلمي والابتكار الاجتماعي، فهي شراكات لا تُقاس بالأرقام بقدر ما تُقاس بالأثر الإنساني والمعرفي الذي تتركه في العقول والقلوب، وهو ما يجعل تكامل القطاعات طريقًا حقيقيًا نحو تنمية متوازنة ومستدامة. ختامًا، لقد كانت أكثر من تجربة مهنية؛ فهي تجربة فكرية وإنسانية ألهمتني ووسّعت مداركي حول الدور العميق الذي يلعبه القطاع غير الربحي في تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة على الساحة العالمية، خرجتُ بقناعة راسخة بأن التعليم هو القلب النابض للدبلوماسية العامة، وأن الاستثمار في الإنسان هو أسمى صور العطاء، وأعمق أوجه العمل غير الربحي، فبه تُبنى الأوطان، وتُصنع الحضارات، ويُكتب المستقبل بثقةٍ ورؤيةٍ واتزان. * مشرفة تربوية