اقتصاد المعرفة هو المستقبل، ولا بد من التفكير في إعادة هيكلة البرامج التعليمية السعودية بأسلوب يتوافق معه، والتركيز أكثر على تخصصات العلوم التقنية والهندسة والرياضيات، وكلها تعرف اختصاراً باسم: ستيم، وإنشاء بيئات علمية تناسب ما سبق، وتحفز على الإبداع والابتكار، ولا تختلف عن الموجودة في وادي السليكون الأميركي.. رسوم التأشيرات المرتقعة في أميركا، التي فرضتها إدارة ترمب في الفترة الأخيرة، فتحت بابا واسعا للاقتصادت القادرة، وبالأخص في دول الخليج، لاستقطاب الكفاءات وأصحاب العقول، وأعتقد ان المملكة تقوم بذلك منذ زمن، ولديها شخصيات مميزة من جنسيات مختلفة، تعمل في جملة من المشاريع التنموية الخاصة برؤية 2030، وقد وفرت لهم تأشيرات تمكنهم من العمل بحرية فيها، ومن أبرزها، التأشيرات الذهبية، ونظام الإقامة المميزة، الذي يستهدف استقطاب العقول المنتجة، وجذب الكفاءات الاستثنائية للاستثمار فيها، ومعها برامج تدعم الشركات الناشئة وتحفز الاستثمار الأجنبي، داخل الأراضي السعودية، مثل برنامج المقرات الإقليمية، بالإضافة لاستثماراتها الضخمة في البنية السحابية، ومن أمثلتها، منطقة غوغل كلاود الجديدة، وخدمات أمازون ويب. توقعات صندوق النقد والبنك الدولي، أشارت الى ان النمو غير النفطي لدول الخليج، بما فيها المملكة، سيكون أكبر ما بين عامي 2025 و2026، ما سيعزز من الطلب الفعلي على المهندسين، الى جانب علماء البيانات والباحثين، وقد وصل إجمالي الموافقات السعودية، على تأشيرات المهن المتخصصة، وتحديدا في 2024، الى 374، والسابق يضعها في المرتبة الثانية خليجيا وعربيا، والمطلوب تعظيم الرقم في المرحلة المقبلة. بخلاف ان العرب أنفسهم، ورغم وجود فجوة في المجال العلمي بينهم وبين الدولة المتقدمة، استطاعت عقولهم المتميزة من السفر الى الدول الغربية، والحصول على ست جوائز لنوبل في الطب والكيمياء، كان أولها للبناني بيتر مدور في 1960، وآخرها للسعودي عمر ياغي في 2025، والثاني حصل على جائزة الملك فيصل في 2015، أي قبل عشرة أعوام من فوزه بنوبل، ما يشير الى ان المملكة تجيد اقتناص الكفاءات والاستثمار فيها، وتحفيزها على تقديم الأفضل، ولمن لا يعرف، المنافسة في سوق العقول المتفوقة، وبالأخص العربية، محصورة بين أميركا وأوروبا ودول الخليج، وكلها عملت على تجنيسهم جزئياً أو كلياً، ووفرت لهم نظام إقامة مرن، ومستوى معيشي مناسب، يدخل فيه التعليم المتطور، والخدمات الصحية المتميزة، والحياة عالية الجودة، فالدخل المرتفع منفرداً ليس كافياً لإقناعهم بالحضور والاستقرار، تماما كما هو الحال مع المشاهير من محترفي كرة القدم الأجانب، والبلدان التي تستطيع القيام بذلك، ستفوز بالنصيب الأكبر من هذه السوق، ولعل السعوديين متقدمون على غيرهم. بالعودة الى أميركا، فقد فرضت الإدارة الأميركية الحالية، رسوما تصل الى 100 ألف دولار على تأشيرة اتش وان بي، التي تعتمد عليها شركات وادي السيلكون في أميركا، لتوظيف المهندسين والمبرمجين الأجانب، والصين تحاول استغلال الموقف لمصلحتها، فقد أعلنت في بداية أكتوبر من العام الجاري عن تأشيرة كاي، وهذه التأشيرة الصينية تقدم الإقامة بطريقة سهلة، زيادة على الدعم المالي وفرص العمل في مجال الذكاء الاصطناعي والابتكار الرقمي، واللافت ان بعض المهندسين السابقين من أميركا ومن خارجها، بدأوا يفكرون جديا في بكين، كمحطة بديلة لمستقبلهم، ومن الأفكار الصينية اللافتة ان شركتها في مجال الذكاء الاصطناعي، ديب سيك، شارك في أبحاثها 197 باحثا مرتبطين بمؤسسات صينية، من أصل 211 باحثا، وهؤلاء درسوا في الصين، ونصفهم لم يغادر أراضيها أصلا، استنادا لإحصاءات جامعة ستانفورد الأميركية، وننتظر تجربة مشابهة في شركة هيوماين السعودية. اقتصاد المعرفة هو المستقبل، ولابد من التفكير في إعادة هيكلة البرامج التعليمية السعودية بأسلوب يتوافق معه، والتركيز أكثر على تخصصات العلوم التقنية والهندسة والرياضيات، وكلها تعرف اختصاراً باسم: ستيم، وإنشاء بيئات علمية تناسب ما سبق، وتحفز على الإبداع والابتكار، ولا تختلف عن الموجودة في وادي السليكون الأميركي، خصوصا ان التطور الذي سيفرضه التطور في مجال الذكاء الاصطناعي سيؤدي الى استحداث مهن لم تكن موجودة، وسيفرض تحديات غير معتادة، وسيغير حتماً في خارطة وظائف المستقبل، على مستوى العالم، والدول التي لا تستطيع مواكبة ما سيحدث، ستتراجع كثيرا، والواجب التحرك بسرعة أكبر، فالتقارير الأممية تشير الى ان حصة الدول العربية من براءات الاختراع لا تتجاوز 2,7%، في مقابل 47,4% % لأوروبا، و33,4% لأميركا الشمالية، و16,5% لليابان والدول الصناعية الجديدة. منظمة العمل العربية، قدرت خسائر الدول في العالم العربي، نتيحة لهجرة أصحاب الكفاءات العالية الى خارجها، بنحو 200 مليار دولار سنويا، وقد بدأت من الناحية التاريخية، الى اوروبا وأميركا الشمالية واستراليا، ونشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية في 2022، أن أميركا تستحوذ حالياً على ما نسبته 39% من العقول والكفاءات العربية، وتأتي بعدها كندا وبريطانيا، والأهم ان دول الخليج، وبالأخص المملكة، دخلت مؤخراً على خط استقطاب الكفاءات العربية المتفوقة في مجالها، وذلك عن طريق تمويل أبحاثها، والنظر اليه كاستثمار يعود عليها بالمنفعة، وحتى الجنسية أصبحت متاحة لها، تماما كما يحدث في الدول الغربية، وعلى سبيل المثال أميركا لم تأخذ حجمها ووزنها الحالي الا لأنها استثمرت في العقول المهاجرة من ثقافات ومجتمعات مختلفة، ومن الأمثلة، يوليوس اوبنهايمر، أبو القنبلة النووية، الذي تعود أصوله الى ألمانيا.