تُعد الحناء من أبرز مظاهر الزينة في المجتمع العربي عامة، والسعودي خاصة، لكنها لا تقتصر على الجانب التجميلي فحسب، بل تمثل ممارسة فنية وثقافية تعبّر عن تاريخ المجتمع وذائقته الجمالية. فهي ليست مجرد لون يُرسم على الجلد، بل ذاكرة بصرية وحسية ترتبط بالمناسبات والطقوس الاجتماعية، وتعكس عمق العلاقة بين الإبداع الشعبي والهوية الثقافية. عند النظر إلى نقوش الحناء، نكتشف أن خلف بساطتها الظاهرة تكمن بنية فنية متكاملة. فالزخارف والرموز التي تُرسم بدقة وتكرار ليست عشوائية، بل تعبّر عن حس جمالي منظم يستند إلى مبادئ التوازن والتكرار والتناغم، وهي ذاتها العناصر التي نجدها في الفنون الزخرفية الإسلامية. هذه اللغة البصرية المتوارثة عبر الأجيال تعبّر عن فهم فني فطري تطور داخل البيوت والاحتفالات، خصوصًا بين النساء اللواتي كنّ وما زلن حاملات لهذا التراث الجمالي. ورغم عمق هذا الفن، إلا أن الحناء لم تحظَ باهتمام كافٍ من المؤسسات الأكاديمية والثقافية في العالم العربي. فقد ظلت تُعامل غالبًا كعادة اجتماعية أو تقليد احتفالي، دون النظر إليها باعتبارها فنًا يعكس تفاعلات المجتمع مع الجمال والرمز والهوية. ومع غياب الدراسات المنهجية العربية، برزت أبحاث غربية تناولت الحناء بوصفها ظاهرة «طقوسية» أو ذات أبعاد «روحانية»، وهو طرح يعكس رؤية خارجية قاصرة عن فهم السياق الثقافي والاجتماعي للحناء في بيئتها الأصلية. هذه الفجوة المعرفية تجعل من الضروري إعادة النظر في الحناء بوصفها فنًّا ثقافيًّا يستحق الدراسة والتوثيق والتحليل، ليس من منظور الزينة فقط، بل بوصفه سجلًا بصريًا يحمل بصمات المجتمع وتاريخه الجمالي. فكل خطّ أو شكل في نقش الحناء يعبر عن ذائقة، وذائقة المجتمع هي مرآة لوعيه الجمالي وتفاعله مع بيئته. إن دراسة الحناء كفنٍّ ثقافي تفتح أفقًا جديدًا لفهم تطور الذائقة الفنية في المجتمع السعودي والعربي، وتساعد على ربط الفنون الشعبية بالفنون الكبرى التي تُدرَّس في المؤسسات الأكاديمية. كما أن توثيقها يسهم في حفظ هذا التراث من الاندثار، ويتيح استثماره في تصميمات معاصرة تُعبّر عن الأصالة والتجدد في آنٍ واحد. والتأمل في الحناء يعني أيضًا تقدير الدور الجمالي الذي أسهمت به المرأة في تشكيل الوعي الفني الشعبي، فهي التي حفظت هذا الفن وطورته بأساليبها الخاصة، ونقلته من جيل إلى آخر. إن الاهتمام بالحناء اليوم ليس مجرد استذكار للماضي، بل خطوة نحو فهم أعمق لتاريخ الفن في مجتمعاتنا، وكيف تشكّلت لغات الجمال في سياق الحياة اليومية والبساطة المتقنة. الحناء ليست مجرد زينة عابرة، بل ممارسة فنية متجذرة في الثقافة العربية، تعكس مفاهيم الجمال والهوية والانتماء. ومن المهم أن تجد موقعها في المشهد الفني والثقافي الحديث، عبر مبادرات توثيقية، ومعارض متخصصة، ومشاريع بحثية تتناولها باعتبارها جزءًا من التراث الحي الذي ما زال يتطور مع الزمن.