في مساءٍ تلفزيوني أصبح مألوفًا للمشاهد السعودي، جلس رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ياسر المسحل أمام الإعلامي عبدالله المديفر في برنامج في الصورة؛ البرنامج الذي رسّخ نفسه كأكثر الحوارات جذبًا لمختلف فئات المجتمع، بفضل قدرته على الجمع بين الحدة والاتزان وتحويل المقابلة إلى نقاش وطني حيّ. ولم تعد في الصورة مجرد مقابلة أسبوعية، بل منصة فكرية تُعيد الاعتبار لفن الحوار السعودي، وتمنح ضيوفها فرصة لشرح رؤاهم بعيدًا عن ضجيج المنصات. لكن في المشهد الرياضي السعودي اليوم، تتجاوز كرة القدم حدود اللعبة لتصبح مرآةً للهوية والانتماء. فكل فوز أو خسارة، وكل قرار إداري، يلامس شعور الجماهير بالعدالة والانتماء. لهذا تتحول قضايا الحوكمة إلى عواصف رقمية تتشابك فيها العاطفة بالعقل. فالرياضة لم تعد مجرد منافسة في الملعب، بل لغة وجدانية تعبّر عن الكبرياء الجمعي. وعندما يغيب التوضيح الرسمي أو يتأخر الخطاب المؤسسي، يملأ الفراغَ سيلٌ من التحليلات والانفعالات، فيتكوّن المشهد الرقمي على هيئة صراع أكثر منه نقاش. ولا يمكن تجاهل أن المشهد الرياضي يعيش اليوم مرحلة تحوّل مؤسسي غير مسبوقة. فالاتحادات والأندية والإدارات الرياضية تعمل في بيئة متغيرة ترتبط مباشرة برؤية المملكة 2030، حيث أصبحت مفاهيم الحوكمة والشفافية والمساءلة جزءًا من الثقافة الإدارية الجديدة. هذا التحوّل يفرض على الجهات الرياضية أن تطوّر أدواتها في التواصل مع الجمهور، وأن تُدرك أن المتابع الرياضي بات أكثر وعيًا ومتابعة، وأن إدارة المعلومة أصبحت جزءًا من إدارة الثقة. وتُفاقِم المنصّات الاجتماعية هذه الحالة بآلياتها التي تُكافئ الانفعال لا الفهم. فخوارزمياتها ترفع الأصوات الأعلى لا الآراء الأعمق، وتُضخّم الجدل حتى يغدو رأيًا عامًا. ومنصّة "إكس" مثالٌ واضح: حيث تُختزل الحقائق في عناوين حادة، ويُستبدَل النقاش بالحشد. وفي خضم هذا الضجيج، يصبح على الحوكمة الرياضية أن تُوازن بين حق الجماهير في المساءلة وواجبها في الحفاظ على المهنية والهدوء. فالثقة اليوم لا تُبنى بالقرارات وحدها، بل بكيفية شرحها وتفسيرها للجمهور. لهذا تبرز الحاجة إلى حوكمة تواصلية ذكية، وإلى إعلام رياضي يتحمّل مسؤوليته في التهدئة لا التصعيد. فبعد اجتماع الإعلاميين الرياضيين بمعالي وزير الإعلام سلمان الدوسري، بات واضحًا أن الوزارة تتجه نحو ترسيخ مبدأ الشراكة في صناعة الوعي والانضباط. فالإعلامي الرياضي اليوم ليس ناقلًا للحدث فقط، بل جزء من منظومة الإصلاح، شريك في بناء الثقة بين الاتحاد والجماهير، وصوتٌ يُعيد التوازن حين تميل الكفة نحو الانفعال. وفي النهاية، لن تختفي العواصف الرقمية من المشهد الرياضي، لكنها يمكن أن تتحوّل إلى طاقة نقدية بنّاءة إذا وُجّهت بالعقل والاحترام. فالإساءة لا تُصلح مؤسسة ولا تُغيّر نتيجة، بينما النقد المسؤول يصنع وعيًا ويُعزز الثقة. وعندما يتقاطع صوت الحوكمة الرشيدة مع إعلامٍ ناضج وجمهورٍ واعٍ، تصبح الرياضة السعودية نموذجًا في الانضباط قبل أن تكون ساحةً للمنافسة.