الشعر له أهمية عند العرب منذ القديم، حتى صار ديوانهم الذي تسجل فيه الأحداث والمواقف، ونتائج المبارزات والمنافسات وهو ديوان قديم مع العرب، ومازال هذا الديوان يحدث وتسجل فيه الأفكار وتحفظ فيه، فيجمع بعضه إلى بعض وينقل لكل جيل ما ورثوه لمن بعدهم. ويحرص الشعراء في كل عصر على تدوين المبادئ والأخلاق الحسنة ويوصون بها، فما من شاعر إلا أوصى بالتقى والعفة والمرجلة وبالصبر وعدم الركون إلى الدنيا وملذاتها، وأوصى بالكرم وحسن الجوار، وما من شاعر إلا وكان له نصيب في إرشاد المتلقي بما يراه من الفضائل تصريحا وضمنا وتلميحا. وتتنوع القصائد بين عموم تلك الوصايا وخصوصها، فمنهم من يسندها على ولده ومنهم من يسندها على صديق ومنهم يجعلها للعموم. وهذا الديوان حفظ منتج الأجيال الشعري في عصور متعددة وأزمنة متعاقبة، يمتد إلى مئات السنين، وهذا الامتداد يؤكد على عراقة ما ذكر في القصائد من نبل الأخلاق، فنجد شاعرا من مئات السنين يشيد بحفظ الجوار، وشاعر معاصر يوصي بالوصية نفسها، وكذلك بر الوالدين وتأدية الحقوق والكف عن الشرور ومكارم الأخلاق كلها، وبهذا تبقى شعلتها وقادة مستمرة لم تنطفئ، وكأن الشعراء اتفقوا على ذلك الاستمرار للأهمية في بناء المجتمعات واستقرارها. يقول راشد الخلاوي من قصيدة طويلة متعددة الوصايا: أوصيك يا وليدي وصاة تضمها الى عاد مالي من مدى العمر زايد وصية عود ثالثت رجيله العصا وقصرت خطاه اللي من أول بعايد لا تسفه المنيوب لاجاك عاني إياك ياولدي ومطل الوعايد ويا طول ما وسدت راسي كدادة من خوفتي يعتاد لين الوسايد فمن عود العين الرقاد تعودت ومن عود العين المساري تعاود ومن عود الصبيان من زاد بيته عادوه في عسر الليال الشدايد ومن عود الصبيان ضرب بالقنا نخوه نهار الكون يابا العوايد ومن تابع المشراق والكن والذرى يموت ما حاشت يديه الفوايد نعد الليالي والليالي تعدنا والأعمار تفنى والليالي بزايد قولوا لبيت الفقر لا يامن الغنى وبيت الغنى لا يامن الفقر عايد ولا يامن المضهود قوم تعزه ولا يامن الجمع العزيز الضهايد وواد جرى لا بد يجري من الحيا إن ما جرى عامه جرى عام عايد ويقول بركات الشريف، من قصيدة طويلة: يا مالك اسمع جابتي يوم أوصيك وأعرف ترى يا بوك با امرك وأنهاك وصيةٍ من والدٍ طامعٍ فيك تسبق على الساقة لسانه لعلياك أوصيك بالتقوى عسى الله يهديك إلها وتدركها بتوفيق مولاك وأجعل دروب المرجلة من معانيك وأحذر تمايل عن درجها بمرقاك ويقول الشاعر سداح العتيبي: عجزت أنسى وعندي ذاكرة شالت دول وشعوب متى النسيان يقدر فوقها يفرض قوانينه أبي لي كوب من زمزم ومن وبل السحابة كوب لعلّه ينشرح قلبي بعد تروى شرايينه أنا عبدالله القانع بمقسومه من المكتوب على الفطرة من أول سنّ رشده لآخر سنينه بعد شارف على خمسين عام بعمره المحسوب تشبّع بالتجارب بين عشرينه و خمسينه عرف ناسه بصدق احساسه وغنّا لهم مسحوب ومن هذا ضحك سنّه ومن هذا بكت عينه ولا له ميزة عْن ناس غير انه كثير عيوب هذا صك اعترافه ما جحد طبعه وتكوينه لقيت اللي مباديهم على ما قيل (فوتوشوب) تصنّع طيبها والطيب منها غاسل يدينه هياكلها جميله مير مخلوقه بسود قلوب خلقها الله تشابه بعضها بالشكل والطينة تجيد الدور بالتمثيل حسب المشهد المطلوب توهّم بالبطولة والحقيقة ناس مسكينة ما عندي للمخادع منطق راقي وحلو أسلوب نواياه الرديّة ما تضر ظنوني الزينة تعريّه المواقف كل ما يستر عليه الثوب عظيم الموقف اللي يعطي العاقل براهينه أحبّ المعدن الأصلي ما أحب المعدن المضروب ولا يعجبني إلّا وافي ديني على دينه ويقول الشاعر هلال الديحاني: الغدر واسلاك الفتيل المشرّك واغرب حدث يمكن تناقلْه الاخبار ديدنك يا دنيا كفى الله شرّك يا ما خذيتي من طويلين الاشبار رسيس بردك يعقبه صلو حرّك مهما تفانوا فيك عميان الابصار يا صاحبي دنيا العنا لا تغرّك أخذ الحذر منها مرار وتكرار ما هو مرور كرام ساعة تمرّك إلا المرور اللي يذوقك الامرار إن شفت من وجه الزمن ما يسرك اشكر ولا تكفر ترا الوقت دوار وافرد جناحك للمطير وتحرك عوّد على سمعك سلامات الاسفار مالك وقرب اللي بقربه يضرك إذا شعر طير الخلا بالخطر طار يا سامعي با انصات لله درك سقى ثرا دارك من الغيث مدرار لعل قولي بالمبرة يبرك والغيب يعلم فيه علام الأسرار يعلم بمستودعك من مستقرك الله ولا غيره هو النافع الضار.. إذا شعر طير الخلا بالخطر طار