غروس قاد الأهلي لمدة 1095 يوماً.. وحسن خليفة درب الاتحاد 10 أيام بدأت جماهير نادي الاتحاد الموسم الجاري بجرعة عالية من التفاؤل بعد إعلان التعاقد مع المدرب البرتغالي سيرجيو كونسيساو حتى عام 2028، في خطوة وُصفت بالطموحة من قبل الإدارة، غير أن هذه الخطوة الاستثنائية تضع الاتحاد ضمن سياق مغاير لما اعتادت عليه الأندية السعودية خلال العقدين الماضيين، حيث سادت ثقافة التغيير السريع، وغاب مفهوم الاستقرار الفني الممتد. وتشير بيانات موقعي Transfermarkt وWorldFootball إلى أن نادي الاتحاد أبرم 15 عقدًا تدريبيًا خلال الفترة من 2005 حتى 2025، بمتوسط بقاء لا يتجاوز 294 يومًا لكل مدرب، وهذه المدة القصيرة تُعطي مؤشرًا أوليًا على التحديات التي تواجه الأجهزة الفنية في بيئة تتغير فيها القرارات بوتيرة متسارعة. وعند مقارنة الاتحاد ببقية الأندية الكبرى، تظهر صورة أكثر شمولًا، ففريق الهلال –المعروف بثباته النسبي– حافظ على متوسط بقاء بلغ 322 يومًا، وهو الأعلى بين الخمسة الكبار. أما نادي الشباب فجاء في المؤخرة بمتوسط لا يتعدى 205 أيام، النصر والأهلي سجّلا أرقامًا بين هذين الطرفين بنحو 213 و298 يومًا على التوالي. وهذا التفاوت يعكس اختلافًا في السياسات الإدارية، لكنه يشير أيضًا إلى عامل مشترك يطغى على الجميع: صعوبة بناء مشروع تدريبي طويل الأمد في ظل الضغوط الجماهيرية، والتقلبات الإدارية، والمزاج الرياضي العام الذي يربط النجاح بتحقيق نتائج فورية. وفي مواقف أكثر حدة، تسجل البيانات حالات تدريبية لا تتجاوز بضعة أيام، المدرب حسن خليفة، مثلًا، تولى تدريب الاتحاد لعشرة أيام فقط، ضمن مهمة طارئة لا تحتمل التأويلات، لكنها تبقى دليلاً رقميًا على هشاشة العقود القصيرة في الدوري. في المقابل، برزت تجارب مدربين استطاعوا الاستمرار لفترات تجاوزت الثلاثة أعوام، من أبرزهم السويسري كريستيان غروس، الذي قاد الأهلي لمدة 1095 يومًا، ما مكّنه من تحقيق بطولات، وتكوين هوية فنية واضحة، والحفاظ على توازن نسبي في الأداء خلال تلك الفترة. ولكن الاستثناء لا يلغي القاعدة، فالمعدل العام في جميع الأندية الكبرى لا يتجاوز عامًا واحدًا، وهذا يعني أن المدرب الذي يبدأ موسمه، غالبًا ما يغادر قبل أن يُكمل الدورة الكروية لموسم ثانٍ، وهو ما يُضعف من فرص ترسيخ أسلوب فني أو تطوير منظومة متكاملة بين الأجهزة الفنية واللاعبين. التقارير نفسها تكشف عن ظاهرة أخرى مكررة: تنقل المدربين بين الأندية ذاتها، ما يعكس ضيق الخيارات أمام الإدارات، أو انعدام الرغبة في المغامرة بأسماء جديدة، ومن أبرز الأسماء المتنقلة بين أكثر من نادٍ نجد: رامون دياز، جورجي جيسوس، دانيال كارينيو، فيتور بيريرا، شاموسكا، ولورينتيو ريجيكامبف، وجميعهم درّبوا ناديين أو أكثر من الأندية الكبرى خلال الفترتين الزمنيتين محل الرصد. ولا يكتمل الملف الفني دون الإشارة إلى الجنسيات الأكثر شيوعًا بين المدربين، فوفقًا إحصاءات WorldFootball وTransfermarkt، يأتي البرتغاليون في صدارة المدربين المتعاقد معهم خلال العقدين الماضيين، بثماني حالات، يليهم الأرجنتينيون والرومانيون، ثم السعوديون والبرازيليون والكروات بعدد متقارب. وهذا التوجه يعكس الميل إلى مدارس كروية محددة دون غيرها، ويدفع للتساؤل حول جدوى الاعتماد المتكرر على نفس الجنسيات، مقابل محدودية الفرص المتاحة للمدرب الوطني، الذي لم يتجاوز حضوره 6 حالات خلال 20 عامًا، رغم التوسع في برامج إعداد وتطوير الكفاءات المحلية. من جهة أخرى، تُظهر البيانات أن الأندية التي تمتعت بشيء من الاستقرار الفني – كالهلال – نجحت في الحفاظ على مستويات تنافسية محلية وقارية، الفريق الأزرق، ورغم تعاقب عدد من المدربين، استطاع في معظم فتراته الحفاظ على روح فنية متسقة، مدعومة بإدارة رياضية قادرة على تقليل الارتباك الناتج عن أي تغيير مفاجئ في الجهاز الفني. وهذه النتيجة تدعم فرضية أن الاستقرار لا يعني تجاهل النتائج، وإنما يرتبط بوضع خطط طويلة الأمد، وتقييم المدرب بناءً على الأداء الجماعي والمشروع الفني، لا على خسارة أو تعادل في مباراة واحدة. في ضوء ذلك، يمكن ملاحظة أن العقود الممتدة، مثل العقد الأخير لنادي الاتحاد مع كونسيساو حتى 2028، لا تكفي وحدها لضمان الاستقرار، فالمعيار الحقيقي يكمن في الالتزام الإداري بخطة فنية واضحة، وحماية الجهاز الفني من القرارات المتعجلة، وخلق بيئة احترافية تتسق فيها الأهداف مع الإمكانات. أما ما دامت لغة الأرقام تتكرر عامًا بعد عام، فإن المدرب المقبل –مهما كانت سيرته الذاتية– يبقى في دائرة الترقب، بين جولة تحمل آمالًا كبيرة، وجولة أخرى قد تُفضي إلى إنهاء عقد مبكر.