في عصر تتسارع فيه المعلومات وتتنافس فيه الوسائل الإعلامية على جذب المتابع، وينبري لنقل الأخبار والأحداث كل من يملك جهاز تليفون ذكيا، تبرز الحاجة الملحة إلى تنظيم الإعلام وضبط معاييره بما يضمن المصداقية، ويحمي المجتمع من التضليل والانحراف. وهنا تأتي جهود هيئة تنظيم الإعلام كخط الدفاع الأول لحماية الرسالة الإعلامية، ليس فقط من الانفلات المهني، بل من كل ما قد يشوّه قيم المجتمع أو يهدد أمنه الفكري والثقافي. عمل الهيئة لا يقتصر على إصدار التراخيص أو ضبط النشر، بل يتعداه إلى تأسيس بيئة إعلامية صحية، تبنى على قواعد واضحة، تحترم المهنية، وتحمي المتلقي من المعلومة المضللة أو الرسالة المسمومة. فالإعلام، حين يترك دون رقابة واعية، قد يتحول من أداة تثقيف وتنوير إلى وسيلة إثارة وتحريض. من هنا، تبنت الهيئة نهجًا متوازنًا يجمع بين الحرية والمسؤولية، بين الإبداع والانضباط، واضعة نصب عينيها أن حماية المحتوى الإعلامي هو حماية للوعي الجمعي. وقد شهدت الفترة الأخيرة تكثيفًا ملحوظًا في مراقبة المضامين الإعلامية، سواء في القنوات التقليدية أو عبر المنصات الرقمية. فعند رصد مخالفة ما، لا تتردد الهيئة في اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، بدءًا من التوجيه والتنبيه، ووصولاً إلى فرض الغرامات أو إيقاف التصاريح في حال تكرار المخالفات أو تجاوزها الخطوط الحمراء. هذه السياسات الحازمة لا تهدف إلى القمع، بل إلى تقويم المسار، وردع من يتجاوز حدود المهنية أو يحاول العبث بعقول الناس. إن معاقبة المخالفين ليست غاية في حد ذاتها، بل هي وسيلة لضمان احترام معايير النشر والبث، وخلق بيئة تنافسية تقوم على الجودة لا على الإثارة. كما أن هذه الإجراءات تعيد الاعتبار للرسالة الإعلامية بوصفها أداة بناء لا هدم، وتحفّز العاملين في المجال على الالتزام بأخلاقيات المهنة ومراعاة الذوق العام والقيم الوطنية. ولعل من أبرز الآثار الإيجابية لهذا النهج التنظيمي المتكامل هو تنامي ثقة الجمهور، إذ بات المتلقي أكثر وعيا بوجود جهة رقابية تتابع وتحاسب وتصحح. هذه الثقة، في نهاية المطاف، تسهم في تحصين المجتمع ضد الشائعات والأجندات المغرضة، وتؤسس لمشهد إعلامي ناضج، قادر على مواكبة المتغيرات دون أن يفقد ثوابته. ولا يسعنا إلا أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير لمعالي وزير الإعلام، ولجميع القائمين على هيئة تنظيم الإعلام، على ما يبذلونه من جهود لحماية الرسالة الإعلامية وصيانة وعي المجتمع، فبمثل هذه الجهود نحافظ على الكلمة، ونصون الحقيقة، ونبني إعلامًا يليق بوطننا وهويتنا.. فحصانة المجتمع تبدأ من الكلمة.