وثائقي نتفليكس الأخير "Matchroom: The Greatest Showmen" لا يروي مجرد قصة نجاح شركة بريطانية عائلية، بل يقدّم درسًا في كيف تحوّلت الرياضة الحديثة إلى عروض مدروسة بعناية، حيث تتقاطع الكاميرا مع رأس المال، ويتحوّل الرياضي إلى نجمٍ تروّج له المنصات كما لو كان بطل فيلم، فالشركة التي أسسها باري هيرن في ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يتسلّمها ابنه إيدي هيرن، تمثل نموذجًا صارخًا للتحول من "اللعب" إلى "الصناعة". المباريات لم تعد أحداثًا عفوية، بل مشروعات ضخمة تدار بعقلية الإنتاج السينمائي من اختيار المدن، التفاوض مع الرعاة، توقيت البث، المؤتمرات الصحفية، وحتى الموسيقى التي ترافق دخول الملاكمين إلى الحلبة... كل شيء محسوب ومصمَّم لصنع "اللحظة التي لا تُنسى"، ولكن ما يميز الوثائقي حقًا هو أنه يربط بين الرياضة والاقتصاد كصناعة عابرة للحدود، ففي أحد فصوله، تظهر الرياض كمنصة جديدة في خريطة ماتش رووم، بعد أن استضافت المملكة نزالات عالمية ضمن موسم الرياض، وجعلت من تنظيم الفعاليات الرياضية جزءًا من مشروعها الاقتصادي والثقافي الأكبر، وسطع في هذا الوثائقي معالي المستشار تركي آل الشيخ كنجم محوري في أحداث الوثائقي، واسم فاعل في صناعة تنظيم الأحداث الرياضية يحسب له الجميع ألف حساب، كما أن اللقطات التي ظهرت من "نزال الدرعية" وفعاليات "Night of Champions" لم تكن مجرد مشاهد مكملة، بل إشارة إلى انتقال مركز الجاذبية في صناعة الترفيه الرياضي نحو الشرق الأوسط، وتحديدًا إلى السعودية. هذا التحول لم يأتِ من فراغ فالمملكة تدرك أن من يملك الحدث يملك الانتباه، وأن الاستثمار في صناعة الرياضة هو شكل حديث من النفوذ الناعم، ومع رؤية 2030، باتت الرياضة والترفيه قطاعين استراتيجيين في تنويع الاقتصاد وصناعة الصورة الدولية الجديدة للمملكة، ومن هنا تأتي أهمية التفكير في شراكات مع شركات عالمية مثل "ماتش رووم"، لا فقط لنقل الخبرة، بل لبناء قدرة سعودية على إنتاج الحدث وتصديره للعالم. في النهاية، يذكّرنا الوثائقي بأن الرياضة في عصرنا لم تعد مجرد تنافس على الألقاب، بل تنافس على المشهد نفسه. فوراء كل بطولة مخرج ومنتج ومفاوض يعرف كيف يصنع الحلم، واليوم، حين تتلاقى خبرة "ماتش رووم" مع طموح "موسم الرياض"، يبدو أن المملكة لا تكتفي بالجلوس في الصفوف الأمامية، بل قررت أن تمتلك المسرح وتدير العرض. محمد العمري