ما يميّز مشروع "بوابة الملك سلمان" عن مشروعات التطوير السابقة أنه لا يُعامل العاصمة المقدسة كما تُعامل المدن الأخرى، فهو مشروع يُحاول أن يقرأ مكةالمكرمة من داخلها، من خلال مواكبة التطور المعماري العصري مع الحفاظ على إرثها التاريخي والثقافي.. بإعلانه الأربعاء الماضي عن مشروع بوابة الملك سلمان، يبرز ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد -الذي يرأس مجلس إدارة شركة "رؤى الحرم المكي"- موجّهًا ببدء التطوير نحو مكةالمكرمة، البقعة التي تأبى أن تُحصر في إطارٍ عادي، حيث تم اختيار توقيت الإعلان ونطاق المشروع بعناية ليحفر مكانه في ذاكرة الزمان، ومحاولة لقراءة جديدة العاصمة المقدسة، أن تكون مدينة روحية، نعم، لكن أيضًا مدينة إنسانية، مدينة جودة، مدينة تجربة، فبُعدها الزمني يمتد من التراث إلى المستقبل، ويُحسب لهذا المشروع أنه يأتي كدعوة لإعادة تأسيس المفاهيم الحضرية في أقدس بقعة، تحت سقف واحد يجمع القداسة والابتكار. يمتد المشروع على مسطح بناء يصل إلى 12 مليون متر مربع، ملاصق للحرم، وهو حجم هائل من التطوير العمراني في قلب المدينة المقدسة، فيُراد من هذا الموقع الاستراتيجي، أن تُنسج خدمات سكنية، وثقافية، وتجارية وخدمية، تندمج في نسيج الحرم، بحيث لا تبدو منفصلة أو دخيلة، ويُضاف إلى ذلك الربط بوسائل النقل العام لتسهيل الوصول وتقليص الازدحام، وهو عنصر ضروري في مثل هذا المشروع ذي الكثافة العالية. كما أن المشروع يُخطِّط لطاقة استيعابية بحجم نحو 900 ألف مصلٍّ في المصليات والساحات الخارجية، وهو رقم ضخم يشي برغبة في توسعة القدرة الاستيعابية لمكةالمكرمة بلا رفع غير مدروس للبناء فحسب، بل عبر تخطيط ذكي للمساحات والخدمات. لكن الأهم من الأرقام هو الاندماج بين البناء والتراث، فمشروع "بوابة الملك سلمان" يتضمّن أنشطة لإعادة تأهيل ما يقارب 19 ألف متر مربع من المناطق الثقافية والتراثية في مكةالمكرمة، وهذا البُعد هو ما يميز المشروع عن المشاريع العمرانية البحتة، لأنه يفهم أن الحرم ليس مكاناً للصلاة فقط، بل قلب تاريخي يملك ذاكرة. وإذا أمعنا النظر، فإن البوابة مشروع تنموي يستثمر في التنويع الاقتصادي وتوليد فرص العمل، ويُتوقع أن يوفر أكثر من 300 ألف فرصة عمل بحلول عام 2036، ويكشف هذا الرقم أن الأهداف الاقتصادية محور استراتيجي، يعني ذلك، أن المشروع يُعد استثمارًا في البنية التحتية غير النفطية: كالضيافة، والنقل، والخدمات، والثقافة، وحتى التجارة، كما يتيح للمملكة أن تُقدّم مكةالمكرمة للمستثمرين كشريان تنموي. يرتكز المشروع على الإدارة المستدامة للموارد عبر توظيف الحلول المبتكرة، بما يسهم في تحقيق أثر إيجابي ملموس على السكان وضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزائرين مع الحفاظ على النسيج الثقافي لمكةالمكرمة، كما تلتزم الشركة بمراعاة المعايير والممارسات العالمية في عمليات التطوير العقاري وتوفير تجربة استثنائية. ما الذي يميّز "بوابة الملك سلمان" عن مشروعات التطوير السابقة؟ الميزة في أنه لا يُعامل العاصمة المقدسة كما تُعامل المدن الأخرى، فهو مشروع يُحاول أن يقرأ مكةالمكرمة من داخلها، من خلال مواكبة التطور المعماري العصري مع الحفاظ على إرثها التاريخي والثقافي. إن مشروع بوابة الملك سلمان ليس فصلاً جديداً في سجل التطوير العمراني، بل هو إعادة كتابة لملحمة المكان المقدس بلغة المستقبل، ففي كل ركن من أركانه تتجلّى فلسفة رؤية السعودية 2030 التي جعلت من الإنسان غايتها ومن المكان هويتها، ومن مكةالمكرمة بوابةً للعالم تجمع بين صفاء الروح وذكاء التصميم واستدامة التنمية. هنا، تتقدّم المملكة بخطواتٍ متزنةٍ تُدرك أن النهضة تُبنى في وعي الإنسان وثقافته، وفي احترام التاريخ دون أن يكون قيدًا على المستقبل، من خلال بوابة الملك سلمان، ترسم المملكة نموذجًا عالميًا في إدارة التحوّل الحضري للمناطق المقدسة، يوازن بين العراقة والابتكار، ويمنح مكةالمكرمة بعدًا إنسانيًا يتجاوز الجغرافيا إلى فكرة أسمى.. دمتم بخير.