البطالة ليست رقماً عابراً في نشرات الإحصاء، بل قضية وطنية تمس كل بيت وكل مواطن، تتقاطع فيها العوامل الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية. فهي لا تُعالج بقراراتٍ منفردة، بل بتكامل الأدوار بين الفرد وقطاعات العمل والحكومة والمجتمع، لتتحول التحديات إلى فرصٍ حقيقية للنمو والتمكين. تؤكد الأرقام الحديثة أن المملكة تسير بخطى واثقة نحو سوق عملٍ أكثر توازناً؛ إذ بلغ معدل البطالة الكلي 3.2 % في الربع الثاني من عام 2025، بينما استقرت بطالة السعوديين عند 6.8 %، مع ارتفاع مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 34.5 %، وهي مؤشرات تعكس نجاح سياسات التمكين ضمن برامج رؤية المملكة 2030. هذا التقدم لم يكن مصادفة، بل ثمرة برامج نوعية مثل تنمية القدرات البشرية، وتحفيز الاستثمار في الكفاءات الوطنية، وتطوير بيئات العمل، ما جعل التوظيف هدفًا تنمويًا لا رقميًا، يقوم على جودة الوظائف واستدامتها. ومع ذلك، تبقى معالجة البطالة مسؤولية مشتركة تتطلب تحسينًا مستمرًا للسياسات والتوجهات، وزيادة مواءمة التعليم مع احتياجات السوق، وتعزيز ثقافة التعلم مدى الحياة، وتوسيع دور القطاع الخاص والقطاع غير الربحي في التدريب والتوظيف وريادة الأعمال. فالمواطن هو أغلى ثروة وطنية وأولى بمقدرات بلاده، وهو المحور الرئيس في خطة التنمية المستدامة. وكل استثمار في تأهيله وتمكينه هو استثمار في مستقبل الوطن ذاته. وفي هذا السياق، تبرز أهمية الدور المحوري ل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في مواصلة جهودها الحثيثة، والعمل على تنظيم المزيد من ورش العمل واللقاءات والبرامج التوعوية والتثقيفية حول هذا الجانب الحيوي، بما يعزز الوعي المجتمعي ويترجم اهتمام الدولة في بناء سوق عملٍ متكامل ومستدام يواكب تطلعات المملكة ويجسد رؤيتها الطموحة. وحين تتكاتف الجهود، وتتوحد الإرادة بين الحكومة وقطاعات العمل والمجتمع، تتحول البطالة من تحدٍّ اقتصادي إلى فرصة لبناء مستقبلٍ أكثر إشراقاً، ويغدو العمل والإنتاج والكرامة عنوانًا لمسيرة وطنٍ يؤمن بأن أبناءه هم أساس نهضته وركيزة تنميته المستدامة.