لم تعد خريطة كرة القدم الآسيوية كما كانت في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، حين كانت الهيمنة محصورة في مجموعة محدودة من المنتخبات، يتقدمها السعودية واليابان وكوريا الجنوبية وإيران. تلك المنتخبات كانت تعيش فترة استقرار فني وهيمنة شبه مطلقة على البطولات القارية والتأهل المتكرر لكأس العالم، فيما بقيت بقية المنتخبات مجرد ضيوف شرف أو محاولات محدودة للتواجد. العقدان الأخيران شهدا تحولات عميقة جعلت من القارة الصفراء ساحة أكثر تنافسية، يصعب التكهن بنتائجها، فقد أسهم تطور الأكاديميات الكروية، وانتشار الفكر الاحترافي الأوروبي في رفع مستوى العديد من المنتخبات. ولم يعد الطريق معبداً أمام الكبار كما كان في السابق، فاليوم، برزت أسماء جديدة على الساحة مثل إندونيسيا صاحبة القاعدة الجماهيرية الهائلة، التي بدأت تستثمر في استقطاب لاعبين محترفين من أصولها وتطوير جيل جديد يرفع سقف التطلعات، وتايلند أيضاً قطعت خطوات واسعة عبر دوري محلي أكثر تنافسية وتأثر إيجابي بالمدارس اليابانية والكورية، وكذلك الأردن التي أصبحت رقماً صعباً في البطولات القارية بفضل تنظيمه التكتيكي الصلب وقدرته على مقارعة المنتخبات الكبيرة. هذا الصعود المتنامي فرض واقعاً مختلفاً على المنتخب السعودي الأول، الذي كان يواجه في السابق منافسين تقليديين معروفين حيث لم يعد يكفي الاعتماد على التاريخ أو على أسماء فردية بارزة، فالمشهد بات أكثر تعقيداً، والمنافسة على الألقاب أصبحت أوسع، والتأهل إلى الأدوار النهائية لم يعد مضموناً كما كان، ولذلك، تبدو الحاجة ملحة أمام اتحاد كرة القدم السعودي لإعادة تقييم المرحلة فالمطلوب ليس مجرد الحفاظ على المكانة، بل تعزيزها عبر استراتيجية شاملة تشمل تطوير الفئات السنية، وتجديد دماء المنتخب بمتوسط أعمار أصغر، وتوسيع قاعدة المواهب عبر الاستفادة من برامج المواليد والأكاديميات المتخصصة. التاريخ يؤكد أن الكرة الآسيوية لا تعرف الثبات، وأن من يتأخر في التطوير يخسر مكانه سريعاً وإذا أراد الأخضر السعودي أن يحافظ على زعامته القارية، فعليه أن يدرك أن المنافسة لم تعد مع اليابان وكوريا وإيران فقط، بل مع قوى صاعدة تملك الطموح والدافع وتنتظر فرصتها لإحداث المفاجآت. محمد العمري