أعلن الرئيس الأميركي أنه سيفرض تعريفات جمركية إضافية على الصين بنسبة 100 % ابتداء من 1 نوفمبر، وهذه التعريفات سوف تضاف إلى التعريفات المعمول بها حالياً والبالغة 30 %، وربط ترمب حربه التجارية هذه، بتشديد بكين ضوابط التصدير على معادنها الأرضية النادرة الضرورية لإنتاج العديد من الأجهزة الإلكترونية. بل إن ترمب اعتبر ذلك سببا كافيا لإلغاء اجتماعه المقرر في وقت لاحق من هذا الشهر في كوريا الجنوبية مع الرئيس الصيني شي جينبينغ. بيد أن السبب الحقيقي لهذه الحرب، هو أبعد بكثير عما يسوقه الرئيس الأميركي، فهذا الأخير لم يعلن الحرب التجارية على الصين وحدها وإنما على قائمة تطال العديد من الدول على رأسهم الهند. فهذان البلدان من المتوقع أن تزداد الضغوطات السياسية والاقتصادية الأميركية عليهما في المستقبل. فترمب هو أداة أميركا للحيلولة دون تحقق التنبؤات التي تتوقعها مراكز التفكير، الثنك تانك (Think Tanks) والأبحاث في العالم، فهذه التوقعات تشير إلى أن مصفوفة ترتيب أكبر الاقتصادات في العالم سوف تتغير خلال ال 50 عاما القادمة. إن تقرير مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال البريطاني سيبر (CEBR) يتوقع أن يصبح الاقتصاد الصيني بعد 13 عاماً من الآن، أي في عام 2038، الأكبر في العالم، يأتي بعده الاقتصاد الأميركي، فإذا تحقق ذلك، فإنها تصبح المرة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية، التي يزاح فيها الاقتصاد الأميركي عن مركز الصدارة، أما اقتصاد الهند فسوف يكون ترتيبه الثالث. كذلك، فإن الدراسات التي أعدها غولدمان ساكس هي الأخرى تشير إلى احتمال تراجع الاقتصاد الأميركي، وأن يصبح ترتيبه الثالث بحلول عام 2075- مخلياً الموقع الأول والثاني للصين والهند على التوالي. فهذه التنبؤات إذا تحققت فإنها سوف تغير براديغما المعادلة السياسية والاقتصادية في العالم، فتصبح الصينوالهند هما من تأمران وتنهيان وتفرضا الأجندة السياسية والاقتصادية الرئيسة في العالم. وبالتأكيد فإن الولاياتالمتحدة لا ترغب أن تتحقق تلك التوقعات، ولذا تحاول أن تستفيد من الوقت المتبقي، لإطالة المدة اللازمة لتراجع موقعها إلى أطول فترة ممكنة كحد أدنى، أو منع حدوث تلك التنبؤات على الإطلاق، والمحافظة على موقعها كأكبر اقتصاد في العالم والآمر والناهي فيه. ولذلك نرى ترمب، وهو شخصية صارمة كسياسي ومرنة كرجل أعمال يحاول بالقوة، ولكن حسب المستطاع أن يحول دون تقدم منافسي الولاياتالمتحدة عليها. ورغم ذلك، فإن الرئيس الأميركي لا يمكنه، مهما كانت شخصيته قوية، مقاومة العوامل الموضوعية. فالولاياتالمتحدة لا يمكنها التفوق على الصين وإنتاج سلع ذات مزايا نسبية -الجودة والسعر- تنافس ما ينتجه التنين الأصفر. أما بقية العالم، الذي يتابع تطور العلاقة بين الولاياتالمتحدةوالصين بقلق، فليس بإمكانه غير التمني بأن يحتكم قادة هذين البلدين العظيمين إلى الحكمة، وألا ينساقوا إلى حرب ساخنة مدمرة.