الحاضر لحظة؛ لكنه ليس عابراً كما نتصور، هو بذرة والبذرة إن أُهملت تبقى حية صغيرة، وإن اعتُني بها نمت شجرة وارفة، تطرح ثمرًا، وتمنح ظلًا، نحن في كل لحظة نحمل بذور المستقبل، لكن الفرق بين إنسان وآخر هو: هل يزرع، أم يترك البذور تضيع في العدم؟ أن تتفلسف في حاضرك يعني أن ترى الزمن بعين أخرى، أن تفهم أن الدقيقة التي تمر بها ليست مجرد رقم على الساعة، بل فرصة، طاقة، انطلاق، فترفض أن تكون حياتك تكرارًا للروتين اليومي، وأن تقول لنفسك: (أنا لست مجرد عابر.. أنا صانع طريق). إن الحياة ليست ما يُعطى لك، بل ما تصنعه مما أُعطي لك، كم من الناس يعيشون كأنهم مساقون إلى ذبح بارد: يأكلون، ويشربون، ويعملون، وينامون.. ثم يرحلون كما جاؤوا، لا سؤال، لا دهشة، لا معنى، بينما آخرون –وربما عاشوا في فقر أو مرض– لكنهم جعلوا من حياتهم حلماً ورسالة، لم يتركوها تمضي عبثاً، بل أودعوها فلسفة تُعطيها بريقاً. الفلسفة ليست تعقيدًا، ولا تنظيرًا أجوف، بل هي أن تصنع لنفسك بوصلة داخلية، أن تعرف من أين تبدأ، وإلى أين تسير، أن تدرك أن الغد لن يولد من فراغ، بل من رحم اليوم، من عملك، وصبرك، وأملك. بناء فلسفة للذات في عصر الذكاء الاصطناعي -وهو عصر التحولات الكبرى- ليست رحلة سهلة، إنها مواجهة الذات مع أعمق ما فيها، مع ضعفها وقوتها، مع طموحاتها المخبأة وأوهامها التي تقيدها، ومن يجرؤ على مواجهة نفسه يخرج بفلسفة تعينه على مواجهة الحياة، وبناء الغد. التفلسف في الحاضر يعني أن تختار التفاؤل رغم كل ما يدعوك إلى اليأس، ليس التفاؤل خرافة ولا تجميلاً للواقع، بل هو قوة كامنة، تحول العجز إلى حافز، والهزيمة إلى درس، والجرح إلى بداية شفاء. المتفائل لا يهرب من الألم بل يستخدمه ليصعد، تفلسف في الحاضر، فالعالم ليس عدوك، بل مسرحك الذي تتمتع فيه بالفاعلية والتأثير، فإما أن تؤدي دورك بشجاعة، ووطنية، وإبداع، أو تظل متفرجاً على مقاعد المهزومين. اجعل فلسفتك أن ترى المعنى في التفاصيل الصغيرة، أن تحول كل يوم إلى درس، وكل خطوة إلى تجربة كبيرة، فتجعل من نفسك إنساناً يضيف للحياة ولا يستهلكها فقط. الحياة لا تسألنا: ماذا أخذت؟ بل ماذا أعطيت؟ وماذا أعددت للغد، وحين نحمل هذه الفلسفة لن يكون الغد كابوساً مجهولًا، بل سيكون امتدادًا طبيعيًا لجهدنا اليوم، سيكون سماء مفتوحة، وأفقًا ينتظر إقلاعنا، وحلمًا يقترب منا كلما اقتربنا منه. الحاضر بداية الطريق، ورهن إشارة فلسفته القوية المتفائلة، والمستقبل امتداد له، فمن أهمل لحظته أهمل غده، ومن عاش بفلسفة ووعي، صنع مستقبلًا يليق به، إن الفلسفة الحقيقية ليست جدلًا ولا ترفًا، بل هي دعوة للبناء، بناء الحلم، بناء المستقبل بمشروعات واعدة، والفيلسوف الحق ليس من يجلس في برجه العاجي، بل من يحول أفكاره إلى طاقة عمل وتنمية. إنه يبني رؤيته الفلسفية بالعلم والمعرفة، ويبني مجتمعه بالمشاركة والعمل، ويبني عالمه بالحب والرحمة، وكل حجر يضعه اليوم في بنائه العقلي الذاتي هو جزء من بيت المستقبل، وسعادة الغد، وكل لحظة يضيعها في اللامعنى، هي ثغرة في جدار الغد. لا تترك حياتك تمضي بلا فلسفة، لا تسمح لليأس أن يسكن قلبك، لا تستسلم لفكرة المستحيل، اجعل لحياتك فلسفة، فالمستقبل لا ينتظر المترددين بل يفتح أبوابه لمن يؤمن أن الغد يُصنع الآن. في هذه اللحظة، في هذا الحاضر الذي بين يديك.