في زيارته للقصر الملكي قصر فيصل سنة 1935م بدعوة من الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وكان مرافقاً لوفد دبلوماسي بريطاني سجل المستكشف والصحفي البريطاني غوري العديد من المشاهدات ذكرنا بعضها في حلقة ماضية وقد لاحظ أيضا ثمة مراعاة دقيقة للإتيكيت في القصر لكن بدون أية شكلية جامدة أو حواجز بين الملك والرعية الذين كانوا يفدون إليه من كل مكان ويخاطبونه مباشرة دون ألقاب حتى قال: النجديون ينادون زعماءهم أو أي أوروبي بأسمائهم المجردة دون ألقاب لكنهم يكنون احتراماً شديدا ًللقادة المشهود لهم أكثر مما هو شائع في العالم الخارجي. إنهم يحبون أن يكونوا في الخدمة الشخصية لرجل عظيم مثل ابن سعود وغالباً ما يتكلمون عن أحد الزعماء باسم عشيرته على سبيل المثال (الشعلان يؤدي فريضة الحج هذا العام والنوري ذهب إلى الرياض كما يقولون). حي الشؤون الملكية في القصر كما أسماه لأن القصر الملكي ضخم بما يكفي حيث مكاتب الحكومة مجمعة هناك حسب ما هو معتاد في أيام الخلفاء العرب – إنه ذو جو لا يمكن وصفه بسهولة لأنه من الأشياء المحسوبة خارج نطاق معرفة الأوربيين تماماً. فهنا تطغى شخصية ابن سعود على القصر وعلى الحي كله والمدينة بكاملها والناس يسمونه فيما بينهم (الشيوخ) والتي هي صيغة الجمع من الشيوخ.. الشيوخ ذهبوا للغداء.. للصلاة.. للصيد.. وهكذا.. مثل هذه الأخبار تنتشر كل ساعة في العاصمة المزدحمة مثل خلية النحل في الشوارع وعلى الطوابق العلوية للمباني. وقرب غرف الاستقبال يوجد دوماً زوار وموظفون وخدم كثيرون وسعاة وحراس شخصيون. الخدم (الخدام) هم عادة رجال مجربون برهنوا أنهم أوفياء وشجعان في حملات الماضي وذوو مظهر حسن يستخدمون الآن لجباية زكاة الأنعام أو مراسلين أو في مواقع ثقة أخرى (كانوا أيضاً يكلفون بتتبع المجرمين الهاربين). ويتضمن الزوار عرباً من كل بلدان الشرق الأوسط وعند صعود الدرج يذكر دي غوري أنهم التقوا شيخاً فتياً من بدو الرولة من سوريا كان نازلاً ويرتدي معطفاً تحتانياً أزرق سماوي (لازوردي) كان شاب أنيقاً من الواضح أنه تكبد عناءً لكي يظهر هو وأتباعه الذين كانوا معه بمظهر حسن في زيارتهم الأولى للبلاط السعودي. أخذهم الحاجب مباشرة لغرفة الانتظار وإلى غرفة ابن سعود ومن خلالها بدون توقف إلى المدخل المقوس إلى الديوان الملكي ذاته. كان لأحد الطرفين ونهاية الديوان الملكي نوافذ تطل على باحة. أما الطرف الاخر فكان مفتوحاً على منعزل هادئ مكشوف لنور الشمس بحيث يمكن رؤية أولئك الذين يقتربون على امتداده دون رؤية الغرفة المظللة. الأرضية المغطاة بالسجاد الفارسي ذي اللون الياقوتي الداكن بالتباين مع خط من الأعمدة البيضاء التي تدعم مركز الغرفة. كان شعاع من النور ينفذ إلى وسط الديوان وكان يبقع الأعمدة بنقوشه الذهبية. كان الملك عبدالعزيز وحده. يقف منتصباً جداً في الطرف البعيد كحجم جبل. كان طوله الهائل بكامله ممشوقاً بكل امتداده الكامل لأن هذا الوقوف باستعداد يشبه استعداداً عسكرياً لاستقبال الضيوف هو تقليد من تقاليد الأمراء ونبلاء العرب. كان هادئاً جداً، وكانت عباءته تنزل من كتفيه إلى الأرض في شلال رشيق ذا خط متواصل. كان لباسه بسيطاً لكنه مصنوع بإتقان ومرتب بعناية - عباءة خام من قماش رمادي رقيق من دمشق وتعرف بصدر اليمامة وجلابية من وبر الإبل بنية اللون ومنديلاً يدوياً ذا مربعات شطرنجية باللونين القرمزي والأبيض. أما عصابة رأسه فكانت من الصوف الأسود مع خيط ذهبي، من النوع الموجود في نجد امتيازا للعائلة المالكة وأولئك الذين يتشرفون بتقديمه لهم من الملك. كان لدية منديلاً تحتياً كما لو كان من أجل الدفء. كان صندله مصنوعاً خصيصاً على الطراز النجدي. وكانت حلقة ختمه من الفضة والعقيق الأحمر. كان اسمه بدون ترويسه أو شعار وحده منقوشا على الختم. (يتبع..) قصر الحكم