جيرالد دي غوري ضابط عسكري مستعرب ودبلوماسي بريطاني ومن المؤرخين المعروفين عمل كوكيل سياسي في الكويت في عقد الثلاثينات الميلادية وشارك في الزيارة الرسمية للسفير البريطاني السير اندرو في زيارته للرياض في نوفمبر سنة 1935م وكان يجيد اللغة العربية بالإضافة إلى كونه مصورا متحمسا وماهرا إذ ينسب إليه الفضل في صور التقطها في شبه الجزيرة العربية تلك الفترة وصلوا جميعا للرياض قاطعين شبه الجزيرة العربية من الشرق إلى الغرب تقلهم سيارة فورد موديل 1933م، تجاوزوا من خلالها فيافي الصمان ورمال الدهناء وجزءا من الربع الخالي، ودونوا الكثير من المشاهد والتقاط العديد من الصور خلال هذه الرحلة. عند وصولهم للعاصمة كان الشأن الملكي ما زال يدار من خلال القصر القديم داخل الأسوار والمعروف باسم قصر فيصل على اسم جد الملك وإلى هناك أخذوا في إحدى سيارة الملك من أجل مقابلة غير رسمية هذه المرة عبروا من خلالها السهل خارج أسوار الرياض، والذي كان مكانا مخصصا لإناخة الإبل من كل أنحاء الجزيرة العربية (مناخة). ويجيء إليه أكبر عدد من الشيوخ في الاجتماع السنوي للعشائر في بداية الصيف. يأتون سنويا كما يقول لرؤية الملك عبدالعزيز وتقديم أي طلبات أو شكاوى وتجديد البيعة ويتسلم كل واحد منهم هدايا وعطايا تتناسب مع مركزه -قد تكون الهدية فرسا وأكياسا من الأرز وأسلحة إذا دعت الحاجة ويعطون دائما الكسوة أو رداء الشرف (يقصد البشت) وفي بعض الأحيان قطع ذهبيه. وفي هذه الأيام يكون بيت المحاسبة في قصر الملك مشغولا بالصرف من الصباح إلى المساء. في ذلك الوقت في تشرين الثاني كان ثمة زوار قليلون كما يقول لكن كان ثمة حشد عند بوابة المدينة وفي الشارع الرملي المؤدي إلى قصر فيصل القديم. حيث يكون قصر فيصل هذا بالنسبة لأهل الجزيرة العربية في قلب عاصمتهم مفعما بالأهمية التاريخية مثل قصر سانت جيمس في إنجلترا بالنسبة للإنجليز. على مسافة قليلة صعودا في شارع ضيق غير بعيد عن قصر فيصل يوجد حصن المصمك الذي هاجمه ابن سعود مع نخبة من رجاله الشجعان لا يتعدون الأربعين رجلا، فاستطاع كما يقول دي غوري انتزاع الحكم واستعادته سنة 1901م . وكان ابن سعود قد انتظر متخفيا مع اتباعه حتى الفجر. عند ما اعتاد الحاكم (ابن عجلان) أن يتفقد أحصنته عند بوابة المصمك. في ذلك الصباح باغتته هو ورجاله تلك المجموعة الانتحارية الصغيرة والجريئة. بعد قتال شرس في المدخل حيث لا يزال رمحا مغروزا في الباب الخشبي، ونادى مناديهم بأن الحكم لله ثم لابن سعود. القصة حكاها لهم كما قال أحد المرافقين عند مرورهم بالقرب من مسرح الحادثة. ثمة مشاهد ساحرة وملفته كثيرة في ممرات القصر أثناء الدخول.. مجموعة من البدو يستشيرون ابن عم لهم يعمل في الحرس الشخصي وعلماء معممين (يلبسون الأعمة) وهم رجال الدين يتجادلون في نقطة معقدة وبالنسبة لهم كما قال فإنهم بالتأكيد أن كان الأمر يتعلق بالشريعة سيكونون خارج موضوع نقاشهم. لاحظ دي غوري في هذه الأثناء أن النجديين يمتلكون إحساسا جيدا باللون مستندا بذلك على قول رحالة أوروبي آخر اسمه داوتي، فالناس الأكثر بساطة ما زالوا يرتدون أثوابا ذات ألوان فاتحة ومتناسقة ويكون الزي الرسمي للخدم الملكيين إما قرمزيا أو أصفر ليمونيا باهتا. مع تطريز ذهبي ثقيل على الياقة وأطراف الأكمام والشرابات. إذ تجلب أثوابهم من بومباي أما الحرس الشخصيون البدو من ناحية أخرى فيرتدون عباءات مزهرة من دمشق مع مناديل قرمزية وبيضاء. القمصان البيضاء ذات نهايات الأكمام إلى الأرض هي اللباس الاعتيادي للبدو. في الشتاء يستعملون إما المعاطف المصنوعة من جلد الغنم أو عباءات بنية أو بيضاء خشنة مصنوعة من وبر الإبل أو صوف الغنم. الأقواس المظللة أو الجدران المنورة بنور الشمس ذات اللون الفطري أو الخاكي الدافئ هي الخلفية بالنسبة للأشخاص الذين تكون في ثيابهم مشتقات البني والأحمر وهي الطاغية. (يتبع).. المصمك جيرالد دي غوري