لم تكن العلاقات بين المملكة وباكستان، إلا انعكاسًا صادقًا لعقود طويلة من الأخوة الإسلامية والثقة المتبادلة التي نقلتها في شكل نوعي استراتيجي اتفاقية «الدفاع الاستراتيجي المشترك» الموقع الشهر الماضي لمرحلة متقدمة من الواقع المستجد في المنطقة، ف «أي هجوم خارجي مسلح ضد الرياض - إسلام آباد يعد هجوماً على كليهما» وفقا لما نصت عليه الاتفاقية. والعلاقات بين المملكة وباكستان متجذرة في التاريخ، فمنذ أن أعلنت باكستان استقلالها عام 1947، كانت المملكة من أوائل الدول التي سارعت للاعتراف بها، لتؤسس بذلك فصلًا جديدًا من التعاون الاستراتيجي، فهذه البداية لم تكن بروتوكولية بقدر ما كانت تعبيرًا عن وعي سياسي عميق بأن البلدين يشتركان في قيم ومصير واحد، وأن الروابط بينهما تتجاوز حدود الجغرافيا إلى فضاء العقيدة والتضامن. وعلى مدى عقود، لم تتوقف المملكة عن دعم باكستان في لحظات مفصلية، ففي حربَي 1965 و1971، وقفت السعودية سياسيًا واقتصاديًا إلى جانب إسلام آباد، وفي أزمة العقوبات النووية عام 1998، وفرت الغطاء المالي والسياسي لها، مؤكدة أن مواقفها لم تكن يومًا خاضعة لضغوط خارجية بل منطلقة من مبدأ الأخوة الصادقة، كما تجلت هذه العلاقة في الجانب الإنساني؛ إذ كانت المملكة أول من لبى نداء الشعب الباكستاني في زلزال 2005، وفي فيضانات 2010 و2022، عبر جسور جوية وبرية حملت الغذاء والدواء والإغاثة. علاقات ثابتة ولم تقتصر العلاقة على السياسة والدعم الإنساني، بل تحولت في العقدين الأخيرين إلى شراكة متنامية، فقد وقع البلدان عشرات الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية، شملت قطاعات الطاقة، البنية التحتية، الصحة، الأمن السيبراني، والتقنيات الحديثة، وبذلك، تحولت العلاقة من دعم أحادي الجانب إلى تعاون متبادل يعكس رؤية مشتركة لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. وهذا العام، تحديداً بشهر سبتمبر الماضي شاهد العالم توقيع اتفاقية «الدفاع الاستراتيجي المشترك» في العاصمة الرياض في ال17 من سبتمبر 2025، ما جعل المملكة- باكستان تقفان في علاقتهما على واقع تعززه مرحلة جديدة من التكامل الأمني والسياسي، وشدد مراقبون بأن الاتفاقية نصت بوضوح على أن أي اعتداء على أحد البلدين يعد اعتداءً على الآخر، لتصبح العلاقة دفاعًا مشتركًا لا يقتصر على التنسيق بل يصل إلى وحدة المصير الأمني، ما لقي الترحيب الضخم في مواقع التواصل الاجتماعي الذي رصدته «الرياض»، متجاوزا الشعبين السعودي والباكستاني، إذ رحب المواطن العربي ومحبو البلدين في العالم بهذه الجهود المنسجمة مع القانون الدولي. ترسيخ الأمن وقال رئيس مجلس إدارة شركة جدارة العقارية، محمد الحماد: «إن هذه الاتفاقية تجسد السياسة الحكيمة لقيادتنا الرشيدة، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله –، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله –، اللذين عملا برؤية ثاقبة على ترسيخ الأمن والاستقرار وتعزيز مكانة المملكة عالميًا»، مضيفًا «لقد أثبت سمو ولي العهد أن المملكة بقيادته أصبحت ركيزة محورية في الأمن الإقليمي، وقوة دولية فاعلة قادرة على بناء تحالفات استراتيجية متينة، وهذه الاتفاقية تعكس بوضوح نجاح جهوده في جعل السعودية مركز ثقل في معادلة الاستقرار العالمي». وتابع الحماد «إن توقيع الاتفاقية الدفاعية مع باكستان رسالة قوية للعالم بأن المملكة لا تبحث عن الهيمنة ولا عن المواجهة، بل عن بناء شراكات قائمة على الاحترام المتبادل ومبادئ القانون الدولي، بما يخدم مصلحة شعوب المنطقة»، مؤكدًا أن إدراج بند يعتبر أي اعتداء على أحد البلدين اعتداءً على الآخر يعكس وحدة المصير، ويؤسس لمفهوم جديد من الأمن الجماعي ضمن إطار إسلامي، وهو ما يمنح البلدين قدرة ردع مضاعفة. وأبان الحماد بأن المملكة حريصة على أن تكون سياساتها الدفاعية منسجمة مع الشرعية الدولية، وهو ما يتجلى في هذه الاتفاقية التي تنسجم مع ميثاق الأممالمتحدة واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات. وهذا يمنحها بُعدًا قانونيًا مشروعًا ويجعلها تحالفًا يحظى بالقبول العالمي. وأوضح أن الأبعاد الاقتصادية للاتفاقية تفتح آفاقًا واسعة للتعاون في الصناعات الدفاعية، وتطوير الأمن السيبراني، وتعزيز القدرات التكنولوجية، وهي قطاعات باتت تشكل أساس الردع الحديث، كما أنها تنسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 الهادفة إلى تنويع الاقتصاد وتوطين الصناعات الحيوية. اتفاقية استراتيجية وشدد الحماد أثناء حديثه ل»الرياض» على أن اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك تمثل نقلة نوعية في التحالفات الدولية؛ فهي ليست موجهة ضد دولة بعينها، بل تهدف إلى تعزيز الاستقرار، وحماية السيادة، ودعم السلام الإقليمي. وقال: «من خلال هذه الاتفاقية، تؤكد المملكة أن سياستها الدفاعية لا تقوم على زعزعة الأمن، بل على بناء منظومة توازن وردع تحمي الجميع، كما أن الاتفاقية تمنح البلدين قدرة على مواجهة التحديات الأمنية المعقدة، في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات إقليمية وصعود تهديدات غير تقليدية، مثل الإرهاب والهجمات السيبرانية. وهنا تكمن أهميتها، إذ تُعزز من مرونة البلدين وقدرتهما على التصدي لهذه المخاطر». وأضاف «تحمل الاتفاقية رسائل واضحة على المستويين الإقليمي والدولي. فهي من ناحية تؤكد أن السعودية وباكستان تشكلان جبهة واحدة، وأن أمن الخليج مرتبط بأمن جنوب آسيا. ومن ناحية أخرى، تبعث برسالة طمأنة للشركاء الدوليين بأن المملكة لا تسعى إلى عسكرة المنطقة، بل إلى ترسيخ السلام ضمن إطار شرعي وقانوني». وتابع «هذا التلاقي السعودي – الباكستاني يعزز التوازن في بيئة جيوسياسية معقدة. فالسعودية تمثل ركيزة استقرار في الشرق الأوسط، فيما تعد باكستان قوة نووية مؤثرة في جنوب آسيا. هذا التحالف يجسر المسافة بين المنطقتين، ليمنح البلدين ثقلًا استراتيجيًا مضاعفًا». انعكاسات مستقبلية وذكر الحماد بأن أهمية الاتفاقية تتجاوز بعدها الأمني لتصل إلى مسارات التنمية، وقال: «إن التعاون في الصناعات الدفاعية والأمن السيبراني والتقنيات المتقدمة سيساهم في بناء قاعدة صناعية وطنية متطورة، ويوفر فرصًا استثمارية ضخمة للشركات السعودية والباكستانية. كما أن الاتفاقية تفتح آفاقًا للشراكة في مشاريع الطاقة والنقل والبنية التحتية، وهو ما يتكامل مع مستهدفات رؤية المملكة 2030»، مضيفاً «إلى جانب ذلك، تمثل الكفاءات الباكستانية المؤهلة إضافة نوعية للمشاريع السعودية المستقبلية، فيما تشكل الاستثمارات السعودية في باكستان رافدًا حيويًا لتعزيز الاستقرار الاقتصادي هناك، بما يعود بالنفع على الطرفين». وشدد الحماد على أن توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية ليس مجرد حدث سياسي عابر، بل هو محطة تاريخية تؤسس لعهد جديد من التحالف الاستراتيجي، مؤكداً أنها اتفاقية تعكس عمق العلاقات التاريخية، وتنسجم مع مبادئ الشرعية الدولية، وتفتح آفاقًا للتعاون الاقتصادي والدفاعي. وقال: «في جوهر الاتفاقية رسالة واضحة أن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد – حفظهما الله – تمضي بخطى واثقة نحو بناء مستقبل أكثر أمنًا وازدهارًا للوطن وللأمة الإسلامية، ونحن كسعوديين صفاً واحداً خلف قيادتنا الرشيدة». المملكة وباكستان تحالف استراتيجي اسلام أباد تتوشح بألوان العلمين السعودي والباكستاني محمد الحماد