في صمت الرمال، وبين تضاريس الصخر، وجنون التنوع تتحدث المملكة العربية السعودية بلغة التاريخ، وموطن الحضارات المتعاقبة، وشاهد حي على ولادة الإنسان، وتطور العمران، وتلاقي الثقافات. تسعى المملكة، من خلال رؤية 2030، إلى إعادة تعريف موقعها الحضاري عالميًا كأرض زاخرة بالإرث الإنساني، والمادي والطبيعي، وقد باشرت الجهات المختصة، كمنظومة الثقافة، في خطوات نوعية للحفاظ على الآثار، وتسجيلها في قائمة التراث العالمي (اليونسكو)، لتصبح هذه المواقع رواة لقصة وطن لم ينقطع عن التاريخ. في شمال المملكة العربية السعودية، حيث تنبض الأرض بحكايات الأسلاف، تقف منطقة حائل شامخة بمعالمها الأثرية التي تنطق بالحضارة، وفي مقدمتها الرسوم الصخرية في موقعي جبة والشويمس، التي حُفرت منذ آلاف السنين على جبال الصوان، لتسرد قصصًا عن الإنسان الأول، وعن أنماط حياته وثقافته وإبداعه، وتُسجّل اسم المملكة في سجل التراث العالمي. «اعتراف أممي بقيمة لا تقدّر بثمن» في عام 2015، أدرجت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) موقعي جبة والشويمس ضمن قائمة التراث العالمي، ليكون رابع موقع سعودي يُسجّل بعد مدائن صالح وحي الطريف وجدة التاريخية. «جبة والشويمس» * تُظهر براعة الفنان القديم في نقل تفاصيل الحياة اليومية من خلال رسومٍ لأشخاصٍ في أوضاع مختلفة، وجمالٍ وخيولٍ وكلاب صيد وهذا ما حملته لنا جبة الواقعة غرب مدينة حائل. * أما الشويمس، جنوبحائل، فتضم جبل «المنجور»، أحد أكبر مواقع النقوش في الجزيرة العربية، ويحمل رسومات لوعول وحيوانات منقرضة، بالإضافة إلى أشكالٍ بشرية بدائية. تشير هذه الرسومات إلى تسلسل حضاري طويل، بدءًا من عصور ما قبل التاريخ مرورًا بالحقب الثمودية، ووصولًا إلى فترات الإسلام المبكر، مما يجعل الموقع سجلًّا حيًّا للثقافة الإنسانية. «قيمة حضارية عابرة للزمن» تتميّز الفنون الصخرية في حائل بغناها من حيث الموضوع والأسلوب، فهي لا تكتفي بعرض مناظر الصيد والتقاليد، بل تعكس أيضًا البعد الاجتماعي والديني للجماعات البشرية التي تعاقبت على المكان. فأظهرت تطور الوعي، ووثقت الرموز والطقوس، وعبرت عن البدايات الأولى للتواصل البشري عبر الصورة. «حائل.. مفترق حضارات وملتقى قوافل» لم يكن اختيار حائل عبثًا، فهذه المنطقة التي تتوسط شمال المملكة كانت عبر التاريخ مفترق طرق بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، مرّت بها القوافل، وسارت على أرضها الجيوش، وارتبطت بمسارات الحجاج القادمين من العراق وسورية، ما جعلها مركزًا حيويًا للحراك الثقافي والاقتصادي والديني. «معالم أثرية.. على مرمى التاريخ» من أبرز مواقع النقوش والفنون الصخرية في حائل: * جبل ياطب * الحويط * كهف شعفان كل تلك المواقع تُشكّل معًا متحفًا طبيعيًا مفتوحًا يعرض تطوّر الإنسان والبيئة عبر آلاف السنين. «وجهة سياحية وركيزة لرؤية 2030» باتت جبة والشويمس وجهتين مفضلتين للباحثين، والمستكشفين، ومحبي التاريخ، والراغبين في عيش تجربة تأمل حضارية، يتناغم فيها الإبداع البشري مع روعة الطبيعة. «حائل.. حين يصير الحجر شاهدًا على الإنسان» الفن الصخري في حائل لغة خالدة نحتها الإنسان ليبقى، وليروي للزمن قصته، وأحلامه، ومعاركه، وأغانيه. ومن جبة إلى الشويمس، ومن شعفان إلى ياطب، تستمر حائل في كتابة اسمها على جدار التاريخ.