تفتح المملكة العربية السعودية صفحة جديدة في تاريخ سوقها المالي، إذ تمضي نحو السماح للمستثمرين الأجانب لزيادة ملكيتهم في حصص الشركات المدرجة من 49 % إلى نسب أغلبية، وهذه خطوة تتجاوز مجرد تعديل تنظيمي لتصبح إعلاناً استراتيجياً عن طموح اقتصادي متجدد، هذا القرار يعكس رؤية المملكة في بناء اقتصاد متنوع وجاذب لرؤوس الأموال العالمية، ويضع السوق السعودية على خارطة الاستثمار الدولية بمكانة أكثر تأثيراً، تقرير بنك الاستثمار "جيه بي مورجان"، ذكر بأن التدفقات النقدية قد تصل إلى 10.6 مليارات دولار، وهو رقم يترجم إلى سيولة ضخمة تعزز قدرة الشركات الكبرى على التوسع وتمويل الابتكار، وتتيح للبنوك مثل مصرف الراجحي والبنك الأهلي السعودي ومصرف الإنماء فرصة تعزيز هوامش الربحية ورفع كفاءة التشغيل، فيما تفتح أبواباً جديدة لقطاع الأعمال لاغتنام فرص السوق المتجددة. ليس الأمر مقتصراً على السيولة فحسب، فالخطوة تحمل في طياتها رفع وزن السعودية في مؤشر MSCI للأسواق الناشئة من 3.13 % إلى 3.95 %، ما يتيح دخول صناديق الاستثمار الأجنبية الكبيرة والصناديق الخاملة، ويزيد من تنوع المحافظ الاستثمارية، ويخلق بيئة أكثر سيولة واستقراراً، كما يحمل الاستثمار الأجنبي إمكانية نقل التكنولوجيا والخبرات العالمية، فتسهم هذه التدفقات في رفع معايير الحوكمة والابتكار، وخلق فرص وظيفية جديدة، وتعزيز مهارات القوى العاملة، بما يتوافق مع أهداف رؤية 2030 في تحويل المملكة إلى منصة جذب للاستثمارات والخبرات النوعية. لكن الطريق إلى الاستفادة الكاملة من هذه الخطوة ليس خاليًا من التحديات، فزيادة الملكية الأجنبية قد تضغط على الشركات الصغيرة والمتوسطة إذا لم تصمم سياسات داعمة، وقد تزيد تقلبات السوق على المدى القصير إذا تركزت الاستثمارات في قطاعات محددة، كما تصبح الحوكمة والشفافية أولوية قصوى لضمان استمرار ثقة المستثمرين، وضمان ألا تقتصر الفوائد على السيولة المالية فقط، بل تمتد لتطوير القدرات المحلية وتحفيز الابتكار. في النهاية، رفع سقف الملكية الأجنبية ليس مجرد إجراء مالي، بل رسالة طموح نحو اقتصاد متنوع ومستدام، لتصبح السوق المالية السعودية منصة جاذبة للاستثمارات والمبدعين، ومعززة لمكانة المملكة في المؤشرات العالمية، حاملة معها فرص النمو والابتكار، لكنها تتطلب حكمة في إدارة المخاطر لضمان أن يكون هذا التحول خطوة حقيقية نحو اقتصاد قوي، مرن، ومتجدد، يعكس عمق الرؤية وطموح المملكة في صناعة مستقبل اقتصادي مستدام.