نحن في سباق لا تُحسب فيه الجودة أولًا، بل السطحيّة والسذاجة؛ أن تصرخ، أن تثير، أن تلمس مشاعر حتى لو كانت مرفوضة أخلاقيًا، أن تكسر القواعد فقط لتجعل الجميع يلتفت إليك، لذا نحن في زمن أصبحت فيه الصورة المثيرة تسبق الرسالة الراقية، وتكتسح فكاهة سخيفة كلّ المحتويات المفيدة، لذا -بكل أسف- كن ساذجًا، لتُصبح مشهورًا ومؤثرًا لأن هذا هو المسار الناجح لجذب الانتباه. هل تعلم أن الدراسات تشير إلى أن المحتوى الذي يثير الدهشة أو الغضب أو القلق ينتشر بسرعة هائلة؟ جامعة تكساس تقول: إن المحتوى العاطفي ذا الإثارة العالية، سواء إيجابية مثل الإعجاب أو سلبية مثل الغضب أو القلق، يُشارك أكثر من المحتوى الهادف بأكثر من ثلاثة أضعاف، فالمحتوى الذي يستفز المشاعر الخمسة: الحب، الفرح، الغضب، الدهشة، القلق، غالبًا ما يحصل على معدلات مشاركة عالية جدًا. في السعودية، وصل معدل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى مستويات كبيرة تجاوزت أكثر من 90 ٪ من مستخدمي الإنترنت، ومنصات مثل TikTok وX وSnapchat تحتكر المشاهد و»الترندات». ليس فقط التفاعل، بل الثقة؛ حوالي 70 ٪ من المستهلكين هنا يثقون بتوصيات المؤثرين أكثر من الإعلانات التقليدية، حتى لو كان المحتوى بسيطًا أو ساذجًا. هل المحتوى الجيد لا يفعل ذلك؟ غالبًا لا يحصل على كمية التفاعل نفسها ما لم يكن هناك جرعة من عنوان مثير، صورة قائمة على الانفعالات، أو إثارة الجدل، فالمحتوى الأخلاقي الرصين قد يحصل على إعجاب من القليل، لكن المحتوى «غير الرزين» غالبًا ما يصبح هو الأقوى والأكثر انتشارًا. أسماء تخرج من الظلال، تلمع، تُصبح مؤثرة، تُدعى للمحافل، تقدّم كالأبطال، ويجلسون في الصفّ الأول، بل وتُدفع لهم الآلاف من الريالات، وعروض مخصصة لهم، وأعين وسائل الإعلام تبحث عنهم، وهم في الغالب أناس سطحيون، وكانت السذاجة بوابتهم للدخول. فالقصة الحقيقية هي أن الجمهور يُنجذب بشدة لما يثير عواطفه، حتى لو كانت الرسالة خاطئة أو مثيرة للجدل، فصحيح أن المحتوى الأخلاقي والجيد والرزين يصمد أمام الزمن، لكن الشهرة تُبنى سريعًا بموضوعات مثيرة وسطحيّة. في النهاية؛ حتى إن أغرتك نجاحاتهم احذر من طريقهم، فهم يلامسون قلوب الناس لا عقولهم، يطرحون جدليات تثير الشكوك، ويضعون صوراً لافتة، ولا يهتمون بالقيم، وفي الغالب ليس لديهم لا ذمّة ولا ضمير، لذا احذر من طرقهم ووسائلهم وتصرفاتهم حتى لو شاهدت نجاحاتهم (الوهمية)!