معادلة الأمن في الشرق الأوسط تعتمد وبشكل كبير على حل عادل للقضية الفلسطينية، حيث لا يمكن للشرق الأوسط بدوله المتعددة قبول فكرة تصفية القضية الفلسطينية دون تحقيق حل الدولتين، فحل الدولتين هو الفكرة الوحيدة الرادعة لإسرائيل عن تصوراتها التوسعية.. منطقة الشرق الأوسط وفي هذا التوقيت المهم تتطلب فهماً تاريخياً دقيقاً من جانب قادتها وشعوبها، ومن هذا المنطلق لا بد من أخذ السياسة الخارجية والمسؤولية في المنطقة على محمل الجد، وهذا يعني الاعتراف بأن كل خيارات المنطقة بغض النظر عن توجهها شرقاً أو غرباً أو الاعتماد على المنطقة وإمكاناتها، لا بد لها من ثمن! وقد تكون هناك عواقب في بعض الأحيان، لذلك فإن على صنّاع السياسات في المنطقة وخاصة دول الخليج العربي أن يختاروا الطريق الذي يضمن ترتيب معادلة مختلفة تعتمد ليس على معطيات جديدة بل على متغيرات وقيم ومواقف صارمة فقط، فرغم عدم توفر المعلومات الكاملة في هذا التوقيت حول مستقبل النظام العالمي ومؤشراته وصيغته النهائية، فلا بد من العمل على مواجهة الخيارات الصعبة سواء كانت خيارات مثالية أو العكس. لا يمكن للشرق الأوسط تمرير ذات السياسات التقليدية في التعامل السياسي، فما حدث من هجوم على قطر من قبل إسرائيل يجعل من الصعب أن تتجنب المنطقة الفوضى التي ترغب إسرائيل في الوصول إليها ما لم تكن هناك خيارات جادة لا تتجاهل المخاطر وتتطلع إلى مستقبل لا تحكمه الالتزامات السياسية والاقتصادية التقليدية، لأن المشكلات التي تترك دون معالجة واضحة يمكنها أن تنسف أعظم الفرص، ولم يشهد الشرق الأوسط خيارات واضحة في تاريخه كما هي الفرصة اليوم، فما حدث من إسرائيل تجاه قطر وانطلاقاً من ضرورة الخيار والمسؤولية لدول المنطقة فإن تجنب معالجة المشكلة بشكل مباشر وبقرار جماعي يصعّب حلها. الدرس التاريخي من هذه الأزمة يقول إن الفرصة لا تتكرر، ولذلك فالاتفاق على بناء معادلة أمنية صارمة في الشرق الأوسط هو أفضل خيار، إسرائيل تتحدث عن شرق أوسط جديد، وأميركا تدعم هذه الفكرة منذ أن انطلقت وعبر عنها بوضوح الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فالعالم يدرك أن أميركا هي قوة عظمى رسخت نفوذها العالمي من خلال مجموعة كبيرة من الاستحقاقات السياسية والاقتصادية، ولذلك فإن خيارات أميركا إذا ما أرادت أن تقدم على تنفيذ أفكارها تترك آثارها العالمية بلا أدنى شك، قد تكون الفكرة أن خيارات الشرق الأوسط في مواجهة أميركا ودعمها المطلق لإسرائيل خيارات محدودة، وهذه الفكرة غير دقيقة إلى حد كبير، فأميركا في هذا التوقيت هي أكثر حاجة إلى تعزيز التصاقها في النظام الدولي عبر تمرير الأفكار بأنها الأكثر قوة وتأثيراً عبر القوة السياسية والعسكرية. إذا تذكرنا عقيدة أوباما الذي يكرهه ترمب ولكنه لا يستطيع الفكاك من تبني توجهاته مع اختلاف في الطريقة، فإن هذه العقيدة تقدم رؤية سطحية حول القضايا العربية لا ترى غير سلبيات المنطقة، وأن سكان المنطقة يمتلكون من السلبيات ما لا يملكونه من الإيجابيات، وهذه هي الفكرة التي ترغب إسرائيل في تأصيلها عبر تحميل المنطقة وشعوبها مسؤولية عدم أمنها، بينما هي تحتل أرضاً عربية، وتتطاول وتبالغ في تعريف هذا الأمن عبر رسم مساحة جغرافية تريد التمدد إليها تحت نظرية إسرائيل الكبرى، وهنا تكمن الأزمة التي لم تعد تقبل الخيارات، فالشرق الأوسط من الآن وصاعداً ليس أمامه خيارات سوى أن يكون أو العكس. في الحقيقة، إنه بعد الهجوم الإسرائيلي الغاشم على قطر الذي حدث في ظل التغيرات العميقة التي يشهدها العالم في وضعه الدولي، إلا أن الهجوم الإسرائيلي شكل منعطفاً ساهم في ارتباك الوضع الإقليمي وصعوده إلى مرحلة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها ساهمت في تشابك الأمن التقليدي وغير التقليدي في المنطقة مما يعني دخول المنطقة التي تشهد عنجهية إسرائيلية مطلقة في وضع قاتم ومعقد. الهجوم الإسرائيلي على قطر يعتبر مساهمة فعالة من قبل إسرائيل في تعزيز وزيادة المخاطر الأمنية في الشرق الأوسط بلا استثناء، وخاصة أن ذلك يحدث في إطار الآثار الجانبية لأحداث السابع من أكتوبر في غزة، وهذا يرسخ الفكرة الأساسية في منظومة الأمن في الشرق الأوسط والتي ثبت بلا شك أن القضية الفلسطينية سوف تظل جوهر السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ولذلك فإن معادلة الأمن في الشرق الأوسط تعتمد وبشكل كبير على حل عادل للقضية الفلسطينية، حيث لا يمكن للشرق الأوسط بدوله المتعددة قبول فكرة تصفية القضية الفلسطينية دون تحقيق حل الدولتين، فحل الدولتين هو الفكرة الوحيدة الرادعة لإسرائيل عن تصوراتها التوسعية.