يعد الثالث عشر من شهر سبتمبر من كل عام يوماً عالمياً للقانون ، وهي فرصة سانحة للتعريف بما تحقق ويتحقق من منجزات ومكتسبات وطنية في البيئة القانونية بالمملكة العربية السعودية بفضل الله ثم بالدعم والتوجيه من القيادة الرشيدة أعزّها الله لكل ما من شأنه تطوير القانون السعودي وإيلاء الجوانب ذات الصلة بتطوير التشريعات والأنظمة اهتماماً بالغاً ، وذلك لما لها من دور حيوي في تنمية مختلف مؤسسات الدولة بما يواكب التطلعات والرؤى المستقبلية للمملكة ، وفق أحكام الشريعة الإسلامية لما قضت به أحكام المادة (السابعة) من النظام الأساسي للحكم بالنص الآتي: «يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى، و سنة رسوله. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة»، وأيضاً ما نصت عليه المادة (الثامنة) من النظام الأساسي ذاته بأن: «يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة، وفق الشريعة الإسلامية». ويأتي الاهتمام من الدولة بتطوير التشريعات والأنظمة بما يواكب متطلبات الحياة والتطورات المعاصرة، مع الأخذ بالمبادئ القانونية والمستجدات في المجال القانوني، وبما يراعي التزامات المملكة بالمواثيق والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها ، وبما يحقق مستهدفات ورؤية المملكة 2030 التي جاءت لتصنع حاضر ومستقبلاً مشرقاً للوطن بسواعد أبنائه وبناته. إن اهتمام الدولة باستحداث وتعديل الأنظمة له جذور تاريخية عميقة. يأتي هذا التطور التشريعي في إطار مسيرة طويلة من التأسيس والبناء النظامي ، التي انطلقت منذ عهد المؤسس المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه-، حيث تم إعداد تشريعات تواكب المستجدات في مختلف المجالات ، وصولاً إلى هذا العهد الزاهر تحت قيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ، وسمو ولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظهم الله و أدام عزهم-. لقد شهدت البيئة التشريعية والقانونية في هذا العهد نقلة نوعية كبيرة تحظى بإشادة وتقدير كبيرين من جميع المختصين و المهتمين بالشأن القانوني ، مما يؤكد اهتمام القيادة الرشيدة ودعمها المستمر لعملية تطوير التشريعات في المملكة تحديثا و استحداثا ' للإسهام في رفع جودة الحياة وتعزيز أداء مختلف القطاعات الحكومية ، فضلاً عن دورها الأساسي في تحديد حقوق الأفراد وواجباتهم، وترتيب الجزاءات المناسبة في حال مخالفة هذه القواعد. كما أن المشروعات النظامية يسبقها دراسات معيارية وفق أفضل التجارب الدولية ، فضلاً عن اهتمامها بالشفافية والوضوح ، بما يخدم أفراد المجتمع و يحقق الصا العام ، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة ، ويعزز تنافسية المملكة عالمياً من خلال أسس ومرتكزات إجرائية وموضوعية واضحة. إن المتأمل في الشأن التشريعي في المملكة، يمكنه ملاحظة التطور التشريعي والشمولية في مجالات متعددة إذا ما علمنا أن نسبة النمو في الدراسات النظامية الواردة و الصادرة بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء بلغ عام 2022 في الدراسات النظامية الواردة 4639 بينما بلغ نسبة الدراسات النظامية الصادة من الهيئة 4490 ، وبمقارنة ذلك عام 2023 بلغ نسبة النمو في الدراسات النظامية الواردة 5877 و نسبة الدراسات النظامية الصادرة من هيئة الخبراء 5708 بزيادة ملحوظة تعكس حجم التطور في البيئة القانونية فضلاً أن عدد الأنظمة وفق احصائيات هيئة الخبراء المنشورة على موقعها 479 نظام و عدد وثائق الأنظمة 1206 و عدد اللوائح 34 وعدد وثائق اللوائح 63 وتشمل الجوانب الأنظمة كافة المجالات ومنها على سبيل المثال : القضائية والأمنية و الاستثمارية والعمل والرعاية الاجتماعية ، و الاقتصادية و المالية ، والتعليمية ، و الصحية ، والتجارية، والصناعية والتعدين ، والطاقة، والزراعة و المياه و البيئة وغيرها من الجوانب الأخرى. يمكن القول بأن مشروعات الأنظمة استحداثا أو تعديلاً تمر بمسارين لاستكمال الدورة التشريعية ، أحدهما : أن يدرس مجلس الوزراء والأجهزة التابعة له مشروعات الأنظمة واللوائح المعروضة عليه ؛ لدراستها ومراجعتها و إحالتها إلى مجلس الشورى في الموضوعات التي يشترك في دراستها ، ومن ثم تصدر الأنظمة و المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و الامتيازات ،وتعدل بموجب مراسيم ملكية بعد دراستها من مجلس الوزراء وفقاً للمادة (العشرين) من نظام مجلس الوزراء ، و ثانيهما : أن يقترح مجلس الشورى مشروع نظام جديد أو اقتراح تعديل نظام نافذ ودراسة ذلك في المجلس تمهيدا لرفعه من رئيس المجلس إلى الملك وفقا للمادة (الثالثة و العشرين) من نظام مجلس الشورى. إذ أن المنظومة التشريعية في المملكة ، تأخذ بأحدث التوجهات القانونية والممارسات القضائية الدولية الحديثة ، بما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية، ويراعي التزامات المملكة فيما يخص المواثيق والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها. لقد تم إطلاق رؤية 2030 عام 2016 م ، والتي تهدف إلى تعزيز الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل وتحقيق التنمية المستدامة ، و تحظى البيئة القانونية و التشريعية بدور محوري في تحقيق أهداف رؤية 2030 عبر تحديث الأنظمة ، و تعزيز الشفافية ، و تحسين بيئة الأعمال ، وجذب الاستثمارات ، بما يساهم في تنويع الاقتصاد وتحقيق النمو المستدام و من أبرز الأمثلة على ذلك نظام الشركات الجديد و نظام الرهن التجاري و نظام الاستثمار المحدث ، و نظام الأسماء التجارية ، و نظام السجل التجاري ، لتعزيز بيئة الأعمال وتشجيع رواد الأعمال و دعم الابتكار وجذب الاستثمارات المحلية و الأجنبية ، واستحداث نظام الإفلاس بهدف تنظيم إجراءات الإفلاس، وهي: التسوية الوقائية ، و إعادة التنظيم المالي ، و التصفية ، و التسوية الوقائية لصغار المدينين ، و إعادة التنظيم المالي لصغار المدينين ، و التصفية لصغار المدينين ، و التصفية الإدارية. من جهة أخرى استحداث الأنظمة العقارية كنظام تملك غير السعوديين للعقار لعام ، ونظام نزع الملكية الجديد ، بالإضافة إلى نظام الوساطة العقارية و نظام التسجيل العيني للعقار الذي يمثل تطوراً متقدماً في تنظيم الملكية العقارية ، ونظام ملكية الوحدات العقارية وفرزها و إدارتها ، و انشاء الهيئة العامة للمنافسة و الهيئة العامة للعقار ، و غيرها من الهيئات الحكومية ، و تطوير الأنظمة القضائية لضمان سرعة البت و تحقيق العدالة الناجزة ، وتحديث نظام العمل لزيادة مشاركة القطاع الخاص ، وإصدار أنظمة مالية ، لتعزيز موقع المملكة كمركز مالي عالمي ، و لتطوير بيئة الأعمال في المملكة، وتعزيز قدرتها التنافسية وذلك من خلال دعم الجانب التشريعي للجهات الحكومية بما يضمن تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 في أن تكون المملكة في مصاف الدول العشر الأكثر تنافسية عالمياً بحلول العام 2030. ولذا تم إطلاق منصة استطلاع و هي منصة إلكترونية موحدة تابعة للمركز الوطني للتنافسية ، لاستطلاع آراء العموم والجهات الحكومية ، والقطاع الخاص بشأن الأنظمة أو اللوائح وما في حكمها الصادرة عن الجهات الحكومية والمتعلقة بالبيئة الاقتصادية والتنموية قبل إقرارها ، بهدف تمكين الأفراد والجهات الحكومية والقطاع الخاص من إبداء المرئيات والملحوظات على المشروعات ذات الصلة بالشؤون الاقتصادية والتنموية، مما يسهم في توفير بيئة استثمارية آمنة ومستقرة للمشاركة في مشورة الرأي والاستطلاع بهدف تحسين شفافية وكفاءة البيئة التشريعية ، و ذلك من خلال مشاركة القطاع العام و القطاع الخاص والعُموم في عملية بناء التشريعات والاستفادة من المرئيات الواردة على المشروعات قبل اعتمادها، و نشر ثقافة الاستطلاع والتواصل مع الأجهزة الحكومية للتعريف بالمنصة وأهدافها والخدمات التي تقدمها، و كذلك إعداد النماذج ذات الصلة ، وتعميمها على الجهات الحكومية، وتقديم الملحوظات والمرئيات حول نتائج الاستطلاع. جدير بالذكر وبقراءة قانونية سريعة للتطور التشريعي في السنوات الخمس القريبة أن التشريعات القضائية صدر منها في الوقت الحاضر، نظام الأحوال الشخصية، و نظام المعاملات المدنية، و نظام الإثبات ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية مستقبلاً. وتمثل هذه التشريعات القضائية نقلة نوعية ، تهدف إلى تعزيز إمكانية التنبؤ بالأحكام ورفع مستوى النزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية وزيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة، بصفتها عناصر أساسية لتحقيق العدالة. وامتد التطور القانوني لمجالات أخرى من خلال تحديث و استحداث العديد من الأنظمة لتعزيز حقوق الطفل و المرأة و كبير السن و رعايته على سبيل المثال لا الحصر : اصدار نظام حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة واحداث نقلة نوعية في الشأن الأسري على سبيل المثال :نظام الأحوال الشخصية ، ومنح مزيد من الصلاحيات التنظيمية لمجلس شؤون الأسرة و ارتباطه التنظيمي بمجلس الشؤون الاقتصادية و التنمية، فضلاً عن تعزيز الأمن الاجتماعي من خلال إنشاء جهاز هيئة الرقابة و مكافحة الفساد وتحسين الشفافية في القطاع العام، والاهتمام بحماية المجتمع من مختلف الجرائم المالية المستجدة كسن نظام مكافحة الاحتيال المالي و خيانة الامانة ، ونظام مكافحة غسل الأموال، و في مجال تطوير بيئة العمل الحكومي والقوى العاملة تم استحداث نظام الانضباط الوظيفي فضلاً عن تطوير أساليب العمل الإداري الحكومي من خلال إدارات تنمية الموارد البشرية في القطاع العام ، وفي مجال العمل والرعاية الاجتماعية صدر نظام التأمينات الاجتماعية ونظام جمع التبرعات و نظام العمل التطوعي و إطلاق عدة مبادرات في هذا الشأن ، كما شهدت مجالات حماية الموارد الطبيعية و البيئة و المياه و الطاقة والزراعة منجزات تشريعية من خلال اصدار نظام البيئة ، و نظام المياه ، و نظام إدارة النفايات ، و نظام إمدادات الطاقة ، و نظام الكهرباء و غيرها من الأنظمة ذات العلاقة فضلاً عن الترتيبات التنظيمية و التنظيمات للمراكز الحكومية ذات الصلة. و في المجال الرقمي و التقني على سبيل المثال صدرت عدة أنظمة منها نظام حماية البيانات الشخصية ، ونظام الاتصالات و تقنية المعلومات فضلاً عن تطوير السياسات و الأطر و المعايير التنظيمية و استحداث الأجهزة الحكومية في هذا الشأن للاهتمام و العناية بالحكومة الرقمية و الأمن السيبراني و البيانات و الذكاء الاصطناعي ، وفي المجال الأكاديمي و التعليمي صدر نظام الجامعات الجديد فضلاً عن تطوير السياسات و اللوائح و الأدلة في القطاع التعليمي. و في مجال النقل على سبيل المثال صدر نظام النقل البري على الطرق ونظام الخطوط الحديدية و النظام البحري التجاري و غيرها من الأنظمة ذات العلاقة. وفي القطاع الصحي صدر نظام المنشآت والمستحضرات الصيدلانية والعشبية، لتنظيم صناعة الأدوية والمستحضرات الصيدلانية، و صدر نظام استخدام وحماية شارة واسم الهلال الأحمر وما في حكمهما، لتنظيم استخدام شارة الهلال الأحمر في أوقات السلم والنزاع المسلح ومنع إساءة استخدامها. فضلاً عن الجهود التنظيمية والخطط الطموحة التي ستواكب التحول الصحي في المملكة بمشيئة الله تعالى. وفي المجال السياحي صدر نظام السياحة و الذي تنظم مواده و أحكامه القطاع السياحي في المملكة العربية السعودية ، ويهدف إلى تنظيم العلاقة بين مختلف الجهات والممارسين للنشاط السياحي، ويتضمن تصنيف الأنشطة السياحية والخدمات والمهن السياحية، ويضع آليات للترخيص والمراقبة، ويحدد العقوبات المترتبة على المخالفات، ويُشرف عليه تنفيذ النظام وزارة السياحة بعد أن كانت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني هي الجهة المسؤولة عنه سابقًا. و تجسد هذه المنجزات النوعية - المشار إلى جزء يسير منها في هذه المساحة الصحفية - جهوداً تشريعية عظيمة في تحقيق التنمية والتطور وفقًا لرؤية شاملة تهدف إلى تحسين حياة المواطنين وتعزيز مكانة المملكة المحلية و الإقليمية و الدولية. إن العمل التشريعي في المملكة شهد ولا يزال يشهد تحديثاً واستحداثاً يعكس تطوراً ملموساً أسهم ولا يزال يسهم في تحقيق التنمية المستدامة و تنظيم مختلف الجوانب التي تتطلب سن التشريعات فضلاً عن ترسيخ مبدأ العدالة وصيانة الحقوق و تحقيق الأمن و الاستقرار ، وفق أفضل الممارسات الدولية المعمول بها في العمل التشريعي، مع مراعاة المبادئ القانونية ، ومن الجدير بالذكر الإشادة بتطور التشريعات القضائية في المملكة العربية السعودية و ما تمثله من خطوة هامة نحو تعزيز النظام القضائي ، حيث تساهم في تحسين فعالية الإجراءات القضائية وتيسير الوصول إلى العدالة و تعزيز البيئة الاستثمارية و نمو الاقتصاد الوطني . كما تعكس هذه التشريعات في الوقت نفسه التزام المملكة بتعزيز حقوق الإنسان وضمان الشفافية والمساءلة في العمل القضائي. وفي اليوم العالمي للقانون ، نجدها فرصة للتوجه بجزيل الشكر والتقدير والامتنان لمقام مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء-حفظهما الله ورعاهما - على الدعم الكبير واللامحدود لكل ما يسهم في تطوير العمل التشريعي والنظام القانوني في المملكة، امتداداً واستكمالاً لمسيرة النماء منذ عهد المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -طيب الله ثراه- وأبنائه الملوك البررة، وصولاً إلى هذا العهد الزاهر. كما يعول على المختصين والباحثين زيادة المساهمة في نماء و تطور البيئة القانونية لوطننا الغالي بسواعد و عقول أبنائه و بناته المخلصين ، مع مواكبتهم آخر التطورات والمستجدات القانونية و المشاركة في المؤتمرات وورش العمل المتخصصة وزيادتها في الكليات العلمية وزيادة المجلات العلمية المحكمة في دراسات الشريعة و القانون ونشر الأبحاث المتخصصة و إتاحتها للمهتمين و الاهتمام بمخرجاتها و نتائجها في معالجة مختلف القضايا المتعلقة بالشريعة و القانون و العناية بالترجمة و النشر العالمي مشيدا و مثمنا الدور الكبير الذي يقوم به مركز الدراسات و البحوث القانونية منذ انطلاقة في عام 2019 م لتحقيق الهدف الاستراتيجي منذ انشائه المتمثل في تطوير البيئة القانونية في المملكة و إثرائها . كما أن من المهم على المختصين و المهتمين تشجيع ربط الابتكار في صناعات المعلومات بالخدمات القانونية للتنبؤ بالأحكام وزيادة التثقيف القانوني ، والتغلب على التحديات القانونية بالتطوير الذاتي ، و توعية المجتمع ، و تقديم مبادرات تعنى بالتطوع القانوني و المسؤولية المجتمعية ، مع التركيز على الدعم و الإسناد التطوعي القانوني لرواد الأعمال و أصحاب المنشآت المتناهية الصغر و الصغيرة و المتوسطة ، والاستفادة من البرامج العلمية التي تقدمها كليات و الأقسام العلمية المتخصصة في الجامعات ، وكذلك البرامج التدريبية النوعية والخدمات المقدمة من الهيئات والمراكز ذات الاختصاص في المملكة لانعكاس كل ذلك إيجابياً على البيئة القانونية والمساهمة في خدمة الوطن الغالي.