الظروف السلبية القائمة بالمنطقة العربية، والظروف الدولية الداعمة لعوامل عدم الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، تتطلبان التشاور والتنسيق المستمر بين المجتمعات العربية، والحكمة والعقلانية واتخاذ القرارات الرشيدة والبنّاءة، سعياً لتعزيز الأمن الوطني في كل مجتمع عربي، وحرصاً على تحقيق الأمن القومي العربي الجماعي بمفهومه الشامل.. يُؤرخ 14 أغسطس 2025م، لسياسات دولية جديدة يُراد تطبيقها أو فرضها على المنطقة العربية بتخطيط ودعم وتمويل المجتمعات الغربية، وبتنفيذ أدواتهم الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال الإسرائيلية. نعم، فالتصريحات الصَّادرة عن رئيس وزراء إسرائيل بشأن مستقبل المنطقة، لا يمكن أن تصدر اجتهاداً من شخصه، أو برؤية داخلية من دولة الاحتلال، وإنما يقف وراءها ويدعهما ويُبرر لها الرُّعاة الدوليون في المجتمعات الغربية وذلك انطلاقاً من كونها تصريحات تتنافى وتتناقض تماماً مع قواعد القانون الدولي، وتتعارض تماماً مع المواثيق والمعاهدات الدولية، وتتصادم مع الجهود الدولية العظيمة التي بُذلت في سبيل حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وإقامة السَّلام الدائم في المنطقة. وهذه التصريحات السلبية الصَّادرة عن رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلية أكدت أن الحرب والصراع واستمرار النزاعات أهداف رئيسة لها، وأن السَّلام والاستقرار ليست ضمن أهدافها الحالية أو المستقبلية. وهذا الذي يمكن فهمه من التصريحات التي بثتها وسائل الإعلام العالمية، ومنها BBC في 14 أغسطس 2025م، والتي جاء فيها، الآتي: "قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إنه يشعر بأنه في مهمة تاريخية وروحية، وأنه متمسك جداً برؤية إسرائيل الكبرى، التي تشمل الأراضي الفلسطينية، وربما أيضاً مناطق من الأردن ومصر بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل. وذكرت الصحيفة أن مُحاور قناة i24 الإسرائيلية، شارون غال، الذي كان لفترة وجيزة عضواً يمينياً في الكنيست، أهدى نتنياهو تميمة على شكل خريطة الأرض الموعودة، وعندما سُئل عن مدى ارتباطه بهذه الرؤية لإسرائيل الكبرى، أجاب نتنياهو: بالتأكيد. وخلال الحوار، سئل نتنياهو عن شعوره بأنه في مهمة نيابة عن الشعب اليهودي، فأجاب أنه في مهمة أجيال؛ فهناك أجيال من اليهود حلمت بالمجيء إلى هنا، وأجيال من اليهود ستأتي بعدنا. وأضاف نتنياهو: لذا، إذا كنت تسأل عما إذا كان لديّ شعور بالمهمة، تاريخياً وروحياً، فالجواب هو نعم". فإذا أضفنا إلى هذه السياسات المُعلنة لقادة دولة الاحتلال الإسرائيلية، السياسات السلبية المُعلنة التي سبقتها، وخاصة تلك المتعلقة بتهجير أبناء فلسطين، فإننا ندرك يقيناً أن أهداف دولة الاحتلال الإسرائيلية، ومن يدعمها ويساندها ويصادق على سياساتها في المجتمع الغربي، تذهب لاتجاهات إطالة أمد الصراع والنزاع، وليس حل الأزمة القائم، وهذا الذي يمكن قراءته من الخبر الذي بثته CNN في 14 مارس 2025م، والذي جاء فيه: "وافق مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي على مقترح مثير للجدل لتسهيل هجرة الفلسطينيين من غزة، في خطوة يحذر المنتقدون من أنها قد ترقى إلى مستوى التطهير العرقي. وقال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش إن مجلس الوزراء الأمني المصغر وافق على اقتراح وزير الدفاع يسرائيل كاتس لتنظيم النقل الطوعي لسكان غزة الراغبين في الانتقال إلى دول ثالثة، وفقا للقانون الإسرائيلي والدولي، ووفقا لرؤية الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب"، حسب تعبيره. وإذا كانت هذه السياسات السلبية المُعلنة، لقادة دولة الاحتلال الإسرائيلية، تُعبر صراحةً عن الأهداف التدميرية التي تسعى لتحقيقها على حساب الحقوق المشروعة لأبناء فلسطين، وعلى حساب أمن واستقرار المنطقة العربية وجوارها الجغرافي، ومن خلال تجاوزها للقوانين والمواثيق والمبادرات الدولية، فإنها بالضرورة تتطلب سياسات عربية بنَّاءة وليست هدامة، ومواقف عربية هادفة لاحتواء الأزمات المتصاعدة وليس لإثارتها وإخراجها عن نطاقها السياسي، ورؤية عربية حكيمة وعقلانية هدفها معالجة السلبيات المُتصاعدة من خلال التواصل السياسي مع الداعمين والممولين الغربيين لدولة الاحتلال الإسرائيلية. نعم، فالظروف الأمنية القائمة في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، والظروف السياسية القائمة في المنطقة العربية، والظروف الدولية غير المُتزنة وغير العادلة، جميعها تتطلب الحكمة في التخطيط، والعقلانية في اتخاذ القرارات، والرؤية الهادئة والمتزنة عند رسم الاستراتيجيات متوسطة وبعيدة المدى، لتحقيق الأهداف السَّامية التي تتطلع لها جميع المجتمعات العربية والمتمثلة بالمحافظة على الأمن القومي العربي والمحافظة على المصالح العليا للشعوب والدول. وهذه الحكمة والعقلانية والقرار الرشيد الهادفة لخدمة المصالح العليا للأمتين العربية والإسلامية، والسَّاعية لتعزيز حالة الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي، تمثلت في السياسات الحكيمة للمملكة، التي عبَّر عنها البيان الصَّادر عن وزارة الخارجية في 5 سبتمبر 2025م، والذي جاء فيه: "تدين المملكة العربية السعودية بأشد العبارات التصريحات المتكررة من قبل رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي حيال تهجير الفلسطينيين من أرضهم، بما في ذلك عن طريق معبر رفح، واستمرار استخدام الحصار والتجويع لفرض التهجير القسري، في انتهاك جسيم للقوانين والمبادئ الدولية وأبسط المعايير الإنسانية، وتؤكد المملكة دعمها الكامل للأشقاء في مصر في هذا الصدد، وتشدد المملكة على ضرورة تدخل المجتمع الدولي وخاصةً الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن لوقف السياسات الإسرائيلية العدوانية بحق الشعب الفلسطيني وأرضه، ورفضها لأي شكل من أشكال التهجير مهما كانت مسوغاته، مجددةً مطالبتها بمحاسبة سلطات الاحتلال على جرائم الإبادة والانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين، مشددةً على ضرورة وضع حد فوري لها وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني وتلبية حقوقه المشروعة في تجسيد دولته الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية باعتباره السبيل لضمان أمن المنطقة واستقرارها". وعملاً بهذه الحكمة والعقلانية السياسية العميقة التي عبرت عنها سياسات وقرارات ورؤى المملكة، صدر قرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية بعنوان: "الرؤية المشتركة للأمن والتعاون في المنطقة"، في ختام أعمال المجلس في دورته العادية (164) التي عقدت بمقر جامعة الدول العربية، والذي بثته (واس) في 5 سبتمبر 2025م ومما جاء فيه: "أدان المجلس أي طرح يهدد سيادة الدول العربية ووحدة أراضيها، مؤكدين ضرورة العمل على إنهاء احتلال إسرائيل الأراضي العربية، وعدم إمكانية التعويل على ديمومة أي ترتيبات للتعاون والتكامل والتعايش بين دول المنطقة في ظل استمرار احتلال إسرائيل بعض الأراضي العربية أو التهديد المبطن باحتلال أو ضم أراض عربية أخرى. كما شدد المجلس على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإيقاف عمليات التوسع الاستيطاني، ومشاريع التهجير، ومحاولات التغيير الديموجرافي وطمس الهوية العربية وتهويد المقدسات الإسلامية والمسيحية، وضمان حقوق اللاجئين واستمرار ممارسة الضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف حاسمة، محذرًا من أن استمرار انسداد آفاق الحل يعد عاملًا أساسيًا لزعزعة الاستقرار في المنطقة ومسوغًا لنشر التطرف والكراهية والعنف إقليميًا ودوليًا. وأضاف المجلس: "وانطلاقًا من حقها المشروع ومسؤوليتها تجاه ضمان أمنها ومصالحها المشتركة، تؤمن الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية بأهمية العمل وفق مبادئ تؤسس لتحقيق واستدامة السلام العادل والشامل في المنطقة، كما تؤكد على أهمية تعاون المجتمع الدولي واضطلاعه بمسؤولياته والتزاماته تجاه تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وترفض أي تحركات أو مساعٍ تؤدي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة وتهديد سيادة دولها، وجر المنطقة إلى مواجهات تفاقم المعاناة والأزمات الإنسانية، وتعطل مسيرة التنمية لعقود آجلة". وفي الختام، من الأهمية القول إن الظروف السلبية القائمة بالمنطقة العربية، والظروف الدولية الداعمة لعوامل عدم الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، تتطلب التشاور والتنسيق المستمر بين المجتمعات العربية، والحكمة والعقلانية واتخاذ القرارات الرشيدة والبنَّاءَة، سعياً لتعزيز الأمن الوطني في كل مجتمع عربي، وحرصاً على تحقيق الأمن القومي العربي الجماعي بمفهومه الشامل. نعم، إن تجاوز الظروف الصَّعبة في المنطقة يتطلب من المجتمعات العربية التركيز على الأهداف السَّامية التي تخدم الأمن الوطني في كل مجتمع عربي، وتجاوز الخلافات على جميع مستوياتها التي قد تتسبب بأضرار جسيمة في منظومة الأمن القومي العربي، والعمل على بناء استراتيجيات مستقبلية غايتها الرئيسة خدمة المصالح العليا للشعوب والمُجتمعات العربية، انطلاقاً من القراءة العميقة لأحداث الماضي، وسياسات الحاضر.