وكأن العالم الغافل كان بحاجة لمن يوقظه من سبات انعدام الضمير؛ فقد برزت المملكة كصوت عربي وإسلامي ودولي داعم للحق والعدالة، فقد تابع مجلس الوزراء السعودي مستجدات الأحداث بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مشددًا على مطالبة المجتمع الدولي، وخاصة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإسراع في التدخل لإنهاء المجاعة ووقف حرب الإبادة. كما أكد المجلس دعمه الكامل لمخرجات الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي في جدة، والتي هدفت إلى تنسيق آليات التحرك لوقف الإبادة الجماعية ومواجهة الخطط الرامية إلى ترسيخ الاحتلال. وبقلق بالغ، يراقب العالم تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، حيث تجاوزت المأساة كل حدود المعاناة الإنسانية لتتحول إلى فصل مأساوي جديد في سجل الصراع العربي الإسرائيلي، فبعد أن حذرت الهيئات الدولية المعنية من انتشار المجاعة على نطاق واسع، أعلنت أن أكثر من نصف مليون إنسان يواجهون مستويات كارثية من الجوع وسوء التغذية، في ظروف قاسية تتهددهم بالموت جوعًا وعوزًا. والأمر الجوهري هنا أن هذه المجاعة التي تم الإعلان عنها للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، ليست نتيجة ظروف مناخية أو كوارث طبيعية، بل هي مجاعة "مصنوعة" متعمدة، تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني الصامد وتمهيد الطريق لاحتلال أرضه وتهجيره منها. إن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، دون مساءلة أو عقاب، لا يقوض فقط النظام والقانون الدوليين، بل يوسع دائرة الصراع والاضطراب، ويهدد الأمن والسلم الإقليمي والعالمي بأسره. فإلى جانب جرائم الحرب في غزة، تستمر إسرائيل في التوغل داخل الأراضي السورية والتدخل في شؤونها الداخلية، ما يستدعي إدانة عالمية حازمة ودعمًا كاملًا للإجراءات التي تتخذها الحكومة السورية لتحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على سيادة الدولة. ولم تتوقف المملكة عند حدود الإدانات والبيانات، فمن خلال قنواتها الدبلوماسية النشطة، لم يترك سمو ولي العهد مناسبة دولية إلا وحث فيها على وقف هذه الحرب الوحشية، كما ظل وزير الخارجية، الأمير فيصل بن فرحان، على تواصل مستمر مع نظرائه لتحريك المجتمع الدولي نحو خطوات عملية للجم هذا التغول الإسرائيلي. وكانت مبادرة المملكة مع فرنسا لتنظيم مؤتمر دولي في نيويورك لدعم حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة استراتيجية بالغة الأهمية لتعرية الممارسات الإسرائيلية وتضييق الخناق عليها دبلوماسيًا. لكن القيادة السعودية تدرك أن غياب موقف عملي دولي موحد سيشجع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة على المضي قدمًا في مخططاتها التوسعية، التي لا تقتصر على غزة فحسب، بل تمتد إلى تمزيق أوصال الضفة الغربية والقدس، وتهديد دول عربية مجاورة ضمن ما يعرف بمشروع "إسرائيل الكبرى". لذلك، فإن التصدي لهذه المخططات يتطلب أكثر من الجهود الفردية؛ فهو يحتاج إلى ضغط دولي حقيقي، سياسي واقتصادي، لإجبار إسرائيل على الانصياع للإرادة الدولية والقانون الدولي. ختامًا؛ إن ما يحدث في غزة هو اختبار حقيقي لضمير الإنسانية، فإما أن يقف العالم متحدًا لإنهاء هذه المأساة الإنسانية التي صنعتها أيدٍ بشرية، وإما أن ينتظر غدًا أكثر قسوة وألمًا، ليس لفلسطين وحدها، بل لاستقرار وأمن المنطقة والعالم أجمع، لقد حان الوقت لتحويل النداءات والتحذيرات إلى أفعال، فاليد الواحدة لا تصفق، والمستقبل الأكثر أمانًا للجميع يتطلب جرأة وقوة وإرادة دولية حقيقية.