في ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة التي تشهدها المملكة، تبرز الغرف التجارية السعودية كأحد أهم أدوات تمكين القطاع الخاص، ومؤسسات تمثيلية يفترض أن تلعب دورًا محوريًا في دعم رؤية المملكة 2030. إلا أن الأحداث الأخيرة، وعلى رأسها ما جرى في انتخابات غرفة الرياض وما تبعها من قرارات عليا، كشفت عن فجوة بين الإمكانات المتاحة لهذه المؤسسات، والدور الاستراتيجي الذي يُنتظر منها. قرار مجلس الوزراء رقم (161) وتاريخ 25/2/1447ه، الذي منح وزير التجارة صلاحية استثنائية لتعيين أعضاء مجالس إدارات الغرف، لم يكن مجرد إجراء تنظيمي، بل رسالة واضحة بأن الغرف التجارية بحاجة إلى مراجعة شاملة، وإعادة تموضع يعيد لها مكانتها كمؤسسات قيادية في التنمية الاقتصادية. إمكانات كبيرة لم تُستثمر بعد الغرف التجارية، وعلى رأسها اتحاد الغرف السعودية، تمتلك قدرات مالية مستقرة، وكوادر بشرية مؤهلة، وخبرة تراكمية ناتجة عن عقود من التفاعل مع مجتمع الأعمال. هذه المقومات تتيح لها أن تكون بيوت خبرة وطنية، ومراكز دعم وتحليل اقتصادي، ومنصات لتطوير السياسات التجارية والاستثمارية. لكن الواقع العملي يشير إلى أن كثيرًا من هذه الإمكانات لم تُستثمر بعد بالشكل الأمثل. فالجهاز التنفيذي في العديد من الغرف، بما فيها الاتحاد، منشغل بالأعمال التشغيلية والمهام الروتينية، بعيدًا عن التخطيط الاستراتيجي، والمبادرات النوعية، والبرامج المتواكبة مع تطورات الاقتصاد المحلي والعالمي. كما أن عدم استقرار القيادة التنفيذية، وتعرضها أحيانًا لضغوط من بعض الأعضاء، يحد من قدرتها على المبادرة والتطوير، ويجعلها رهينة لتوازنات داخلية لا تخدم المصلحة العامة. اتحاد الغرف: من التنسيق الإداري إلى القيادة الاستراتيجية اتحاد الغرف التجارية السعودية هو المظلة الوطنية للغرف كافة، والجهة الطبيعية لتوحيد الرؤى والمواقف، وتمثيل القطاع الخاص أمام الجهات الحكومية والدولية. ومع ذلك، فإن دوره ظل في كثير من الأحيان أقرب إلى التنسيق الإداري منه إلى القيادة الاستراتيجية. تمكين الاتحاد يتطلب إعادة هيكلة إدارته، ومنحه صلاحيات أوسع، وموازنات أقوى، ليكون قادرًا على قيادة ملفات استراتيجية، مثل تنمية الصادرات، دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتحسين بيئة الأعمال. كما يجب أن يُفعّل دوره الدولي، ليكون واجهة اقتصادية تعكس مكانة المملكة المتنامية، وتدعم جهودها في جذب الاستثمارات النوعية. من أزمة الرياض إلى فرصة وطنية ما جرى في انتخابات غرفة الرياض، وما تبعها من تدخلات عليا، يجب أن يُقرأ كفرصة لإعادة بناء الثقة في الغرف التجارية، وتعزيز حوكمتها، وتحديث أنظمتها الانتخابية، وربط أدائها بمؤشرات اقتصادية واضحة. هذه اللحظة تستدعي إشراك القيادات الاقتصادية المؤثرة، وتفعيل الفكر الاستراتيجي داخل الغرف، بعيدًا عن التمثيل التقليدي، وبما يضمن أن تكون هذه المؤسسات منصات تطوير لا مجرد كيانات تنظيمية. خاتمة الغرف التجارية السعودية تقف اليوم أمام منعطف مهم. فإما أن تستمر في نمطها التشغيلي التقليدي، أو أن تتحول إلى مؤسسات قيادية تواكب تطورات الاقتصاد، وتدعم الدولة في تحقيق مستهدفاتها التنموية. تمكين اتحاد الغرف، وإعادة هيكلة أدوار الغرف المحلية، ليس خيارًا تنظيميًا فحسب، بل ضرورة وطنية لضمان أن يكون للقطاع الخاص صوت مؤثر، ومؤسسات قادرة على صناعة الفرق. إن ما حدث في غرفة الرياض يجب أن يُقرأ كدعوة للإصلاح، والمستقبل يبدأ من هنا.