سأحرص بعد هذا المقال -بإذن الله تعالى- أن أعرف أين يسكن حسين فربما نكون جيران في الحي لتصبح جيرتنا مزدوجة، فالجيرة مفهوم ديني ومكاني ووجداني وأدبي واجتماعي، وهي مع طبيعة التحولات في مفهوم الزمان والمكان؛ مفهوم متحرك نجده في الجامعة أو في مقر العمل بين تجاور في القاعة المخصصة للأستاذ الجامعي ومكتب الموظف وكذلك في المتجر أو على صفحات جريدة. هذه الجيرة وبكل أشكالها تحمل دلالات متنوعة، وتجسد علاقات ذات شكل مختلف الطابع ومتحول الدلالة بين رمزي أو فعلي. حسين جاري على صفحات "الرياض" جعلني في كل يوم جمعة أطل من باب مقالتي لأجده قد أوقف خمسة كتب فارهة أمام باب بيتي الافتراضي. خمسة كتب تحت مظلة (توصيات) هو عنوان مقال يستكتب فيه حسين مجموعة من سدنة الكتب وسادات المعرفة فيما تنتجه المطابع، وميدان النشر والفكر المطبوع، مقال تؤدي إليه كل تفاصيل الجمال الصحفي، والحرفة الكتابية المتينة، وذكاء الباحث الملهم في صناعة العنوان وتقنين المحتوى وتجويده. الجيرة بمفهومها البسيط والمتخفف من أعباء المسؤوليات عدا ذلك الشعور بوجود شخص تحمل له مكانة وقدر هي المتجسدة في شكل علاقة الجيرة بيني وبين حسين الذي أسعد بأن أكون جاره وأحد قرائه ومتابعيه. أما الجيرة من حيث كونها إطار لعلاقة من نوع خاص رسخ الإسلام قيمتها ومكانتها، وأضاف إليها إشراقة أخلاقية دينية موضوع متصل منفصل، فالجيرة عند العرب سياق متصل بمكارم الأخلاق عبر التاريخ العربي قديمة وحديثة. الجيرة عنصر يحظى بأهمية خاصة في علم الاجتماع الديني والأسري والثقافي والأدبي، فهي تصنف ضمن العلاقات الأولية التي لها دور في التأثير الأخلاقي والقيمي في التنشئة الاجتماعية المتصل بعلم الاجتماع الأسري، وتدخل في شبكة العلاقات الاجتماعية بدرجات متفاوتة مؤطرة بأطر طبيعة العلاقة بين الجيران مرحليا ومكانيا، وهي بصمة ثقافية تحلل وفق معطيات متنوعة في علم الاجتماع الثقافي. وعلاقتها بالدين تتجسد في مكارم الأخلاق التي بُعث خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام لإتمامها كما جاءت مجسدة في التراث العربي دينيه وتاريخيه وأدبيه، وكانت موضوع يسمو به الشعر، ويجسده في أروع ما يكون التجسيد من حيث الإحساس الأدبي بما يقال شعر، ومن حيث الصور المرسومة بالكلمات في قصائد عربية عبر الأجيال العربية، والتاريخ العربي، وهنا إحدى المساحات التي يتحرك فيها علم الاجتماع الأدبي. الجيرة قيمة عليا، وعلاقة تحتاج إلى أن نقيم معناها ونرسخ أهميتها وعظمة الأمانة المرتبطة بها، وأن "ننبش" ذاكرتنا لتتحفز وتستذكر جيراننا في أحيائنا القديمة، وحياتنا المتصلة جدراننا وإنسانا، وأن نغذي مفهوم الجيرة في نفوس أبنائنا.