في سوق العمل السعودي لا يزال المواطن في بعض الشركات يعمل تحت إدارة الوافد لا كشريك وإنما كمنفذ للأوامر، ورغم الجهود الحكومية الضخمة وبرامج الرؤية التي تهدف إلى التوطين إلا أن الواقع كشف عن خلل عميق يتمثل في سيطرة الوافد على بعض مواقع القرار، وغياب المواطن عن مواقع القيادة التي كان من المفترض أن تكون حقه الطبيعي، واحدة من أبرز القصص التي تكشف هذا الخلل حدثت في سلسلة مطاعم شهيرة، حيث قام مدير وافد بفصل موظف سعودي دون مبرر مقنع، وربما كان يظن أن الأمر سيمر كما اعتاد، لكن ما حدث قلب المعادلة بالكامل، فقد انتشرت القصة سريعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحولت إلى قضية رأي عام، وتصاعدت موجة غضب شعبي قاد إلى مقاطعة شهيرة حتى كادت الشركة أن تنهار بالكامل، تحت هذا الضغط لم تجد الإدارة العليا مخرجًا سوى إعادة الموظف المفصول، بل والإعلان عن توظيف 150 شابًا سعوديًا دفعة واحدة في خطوة بدت وكأنها محاولة لإصلاح ما أفسده سوء تقدير المدير الوافد الذي لم يستوعب أن المواطن لم يعد الحلقة الأضعف، هذه الحادثة ليست مجرد واقعة عابرة، بل هي مرآة لواقع أكبر يواجه كثير من الشباب السعودي في قطاعات متعددة، حيث لا تزال سلطة الوافد قائمة على قرارات الفصل والتوظيف والترقية، بينما المواطن يقف على الهامش، المجتمع اليوم أصبح أكثر وعيًا وأكثر قوة، وأثبت أنه قادر على فرض احترام حقوقه عبر وسائل المقاطعة والضغط الشعبي، مما يعني أن الشركات لم تعد تملك رفاهية تجاهل المواطن أو تهميشه، الدرس الذي خرجت به الشركة، والذي ينبغي أن تدركه جميع المنشآت، أن التوطين لا يقاس بعدد السعوديين المسجلين في الكشوفات ولا بعدد الموظفين في الوظائف الدنيا، وإنما بوجود الكفاءات الوطنية في قلب دائرة القرار والإدارة. إن الوافد مهما بلغت خبرته سيبقى مرتبطًا بالوظيفة ارتباطًا مؤقتًا، بينما المواطن يرتبط بمستقبل المؤسسة وبسمعة الوطن، وهذا ما يجعله أكثر التزامًا واستدامة، وما دامت سلطة الوافد هي المتحكمة في مصير المواطن، فإن التوطين سيبقى شكليًا لا جوهريًا، أما حين يتحول المواطن إلى قائد وصاحب قرار، فإن التوطين يصبح قيمة حقيقية تعكس رؤية المملكة في تمكين أبنائها، لقد كشفت هذه القصة أن سلطة الوافد لم تعد مطلقة، وأن المجتمع أصبح طرفًا مؤثرًا في حماية حقوق الموظف السعودي، وما على الشركات إلا أن تبادر قبل أن تُجبر على التصحيح تحت ضغط الرأي العام، فالوطن لا يمكن أن يُدار من الخارج، ولا يمكن أن يبنى بقرارات وافدة، بل بيد أبنائه الذين هم الأولى بالقيادة وصناعة المستقبل.