تعددت الأسباب والتوطين الوهمي واحد، هكذا سارت أمور توطين بعض الوظائف وربما هكذا ستسير في نفق الوهم الوظيفي. ومع هذا هل بعض شبابنا يبحث عن وظيفة ام يبحث عن دخل ثابت او زيادة دخل ضئيل؟ وقد تكون الحال أسوأ مما نتصور وهي أن أمور التوطين في يد غير المواطن. فهناك مؤسسة صحية كبرى تعتبر الوظيفة فيها حلما نجد ان أمور توطين الوظائف بيد وافد قد تكون أمور التوطين آخر اهتمامه. بل ومما يزيد الطين بلة هو أن بيئة تلك المنشأة طاردة لبعض الكفاءات الوطنية بحجج اقرب ما تكون للواهية. فحجب المميزات التي يحظى بها بعض الوافدين في تلك المنشأة مقارنة بما يحظى به السعودي أصبحت مثل الحلم في رابعة النهار، بل هي تجسيد لقول الشاعر: حرام على بلابله الدوح حلال على الطير من كل جنس وهناك من ينظر الى وضع ذوي الاحتياجات الخاصة في موضوع التوطين الوهمي على أساس انه إساءة كبيرة لهذه الفئة. ففي التقرير الذي نشرته هذه الصحيفة يوم الأحد الماضي وقامت بإعداده الزميلة اسمهان الغامدي يكشف عن توجه لوزارة العمل لتشديد الرقابة والعقوبة على انواع التوطين الوهمي. بل إن وكيل وزارة العمل للتفتيش وتطوير بيئة العمل الدكتور عبدالله ابواثنين أكد غلظة عقوبات التوطين الوهمي والتي قد تصل الى عقوبة السجن من سنة الى خمس سنوات وغرامة قد تصل الى خمسة ملايين عند التوظيف الوهمي للمكفوفين. وزاد على ان الوزارة طرحت خلال الأشهر الماضية "أسوة بجميع مشاريع قراراتها مسودة لبرنامج مكافحة التوطين الوهمي" على موقع الوزارة للمشاركة المجتمعية لتحسن مسودة القرار ويجري إعداد إجراءات البرنامج بعد إغلاق المشاركة المجتمعية. ولعلنا نقف قليلا عند مفهوم "طرح" و"مشاركة مجتمعية". ولعل الوقفة تكون كم عدد من عرف؟ وكم عدد من شارك ؟ ولعل الوزارة تكشف بشيء من الشفافية عن حجم المشاركة المجتمعية في قراراتها. أنا هنا لا اقلل من هذا التوجه الوطني الجميل ولكن أتمنى فقط ان تكون هناك رغبة في سماع المشاركة المجتمعية وتشجيعها وامتلاك القدرة البشرية الكافية معرفيا وتقنيا لاستيعاب وتحليل المشاركة. كل ما أخشاه أن تكون المشاركة المجتمعية هي الأخرى وهمية مثل طلبات هيئة الاتصالات عند طلب رأي العموم في موضوعات مكتوبة قد لا يفهم ألغازها بعض الخاصة وليس العموم. توطين الوظائف مطلب ملح عندما ترى خريج الجامعة يحمل أوراقه ويحمل معها هم الحصول على وظيفة قد يتفضل عليه بها وافد يدير أمور التوطين. وهي أكثر إلحاحا عندما يتعلق الامر ببيئة التوظيف وتوطينه وبالتالي قد أجد العذر لشاب يقبل بوظيفة وهمية وبراتب اقل ويشارك في خيانة توطين الوظائف كل هذا بسبب ان بيئة التوطين في بعض شركات القطاع الخاص هي في الأصل وهمية من اجل الخلاص من نطاقات العمل. أتمنى ان تكون دراسات الفصل التعسفي قد أثمرت عن كشف حقيقي لبيئة التوطين الوهمي. ولعل ابرز الأمثلة هو وجود عدد من الوافدين تحت مسميات وظيفية لم تخضع لنطاقات التوطين ولكن الواقع يقول إنهم يعملون في وظائف خصصت للمواطنين. كلام الدكتور ابواثنين يبشر بالخير وأتمنى ان تكون لنا مشاركة مجتمعية مع الوزارة حتى لا نستمرئ اللوم فقط دون المشاركة في الحلول. وأول من يستطيع هم الشباب والشابات من الباحثين عن عمل وممن اكتوى بنار التوطين الوهمي. فهؤلاء لديهم الكثير من التجارب التي تحتاج الى بحث كيفي يجيده بعض المتخصصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية. لذا عندما نريد أن نتبصر في بيئة العمل لتوطين الوظائف أتمنى أن يسند الأمر لأهله من الباحثين الاجتماعيين وليكن توظيفهم على صندوق الموارد البشرية او حتى على ملاك وزارة العمل. فمشاركتنا الاجتماعية لم تعد تؤمن بالإحصائيات. فطالب الوظيفية لم يعد رقما في جدول إحصائي وإنما هو إنسان يحتاج إلى من يستمع إليه وينقل مشاعره ومعاناته. فشباب اليوم بات يردد المثل المصري الذي يقول "اسمع كلامك أصدقك أشوف أفعالك أستعجب".