قدّم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- في مشهد إنساني بليغ يترجم القيم إلى فعل، نموذجاً ناصعاً في التضحية والعطاء حين بادر بالتبرع بالدم، في إطار الحملة الوطنية السنوية التي أطلقها، لتغدو خطوة سموه رسالة عميقة تختزل الوعي بالمسؤولية الإنسانية، وتؤكد أن القيادة ليست مجرد توجيه أو قرار، بل ممارسة فعلية وسلوك يحتذى. هذا التبرع لا يقف عند حدود كونه إجراءً طبياً يسهم في إنقاذ حياة مريض، بل يمثل في جوهره إعلاناً عن ثقافة وطنية يُراد لها أن تترسخ؛ ثقافة المشاركة المجتمعية التي تجعل من الدم رابطاً يفيض بالحياة، ومن التبرع به رمزاً للإنسانية والتكافل. وقد استشهد سموه بالفعل بالآية الكريمة: {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}، في تجسيد ديني وأخلاقي يرفع قيمة التبرع بالدم إلى مرتبة العبادة وامتثال أمر الله. مبادرة ولي العهد ليست الأولى، هي امتداد لمواقف إنسانية كريمة للقيادة الرشيدة. فقد سبق أن بادرت القيادة إلى تلقي لقاح فيروس كورونا علناً لتشجيع المواطنين والمقيمين على أخذ اللقاح، وسجل خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد -حفظهما الله- في برنامج التبرع بالأعضاء، إيماناً بأهمية الحياة ودور الفرد في إنقاذ الأرواح. هذه الخطوات المتوالية تؤكد أن النهج الإنساني للقيادة السعودية ليس ظرفياً أو دعائياً، بل هو رؤية متجذرة تتناغم مع مشروع وطني شامل هو رؤية المملكة 2030. الحملة السنوية للتبرع بالدم التي أطلقها سمو ولي العهد تهدف إلى رفع نسبة التبرع الطوعي إلى 100 % من إجمالي المتبرعين، وهو هدف استراتيجي ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة التي تضع مجتمعاً حيوياً في مقدمة محاورها. فالاكتفاء الذاتي من الدم ومكوناته ليس رفاهية صحية، بل ضرورة وطنية لضمان أمن صحي مستدام. وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 800 ألف متبرع قدموا دمهم في عام 2024، وهو رقم يبعث على الفخر، لكنه يفتح الباب لمضاعفة الجهود حتى تصل المملكة إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي الكامل، بما يضمن توفير وحدات الدم والبلازما والصفائح الدموية لجميع المستشفيات والمراكز الطبية في مختلف المناطق. كثير من الناس قد يغفل عن حقيقة أن التبرع الواحد بالدم يمكن أن يسهم في إنقاذ حياة ثلاثة أشخاص، من خلال فصل الدم إلى مكوناته الثلاثة: كريات الدم الحمراء، الصفائح الدموية، والبلازما، وهنا تكمن عظمة التبرع، فهو عمل بسيط لا يستغرق سوى دقائق معدودة، لكنه يحدث أثراً بالغاً يمتد إلى حياة أسر كاملة تنجو بفضل هذا العطاء، وحين يكون المتبرع هو ولي العهد نفسه، فإن الرسالة تتجاوز حدود المثال الفردي لتصبح إلهاماً جماعياً، حيث يدعو سموه عملياً المجتمع كافة، شباباً وشابات، رجالاً ونساء، إلى أن يكونوا جزءاً من هذا النهر الإنساني المتدفق بالحياة، إن ما تقوم به هذه الحملة لا يقتصر على جمع وحدات الدم فحسب، بل يرسخ ثقافة التطوع والعطاء في المجتمع السعودي. فالتبرع بالدم يعكس وعياً حضارياً ومسؤولية اجتماعية، ويؤكد أن الوطن لا يقوم إلا بتكاتف أبنائه، وقد أحسنت وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة في تبني برامج توعوية مرافقة، تسلط الضوء على أهمية التبرع، وتزيل المخاوف، وتوضح الفوائد الصحية التي تعود على المتبرع نفسه من خلال تجديد الدم وتنشيط الدورة الدموية. أعظم ما يميز هذه المبادرة أن ولي العهد لم يكتفِ بتوجيه أو دعوة نظرية، بل قدم نفسه قدوة في الميدان. وهذا هو جوهر القيادة الحقيقية: أن يكون القائد أول من يخطو، وأول من يبادر، ليقتدي به الناس. لقد جسد سموه بذلك رسالة إنسانية عالمية، مفادها أن قيمة الإنسان تسمو حين يعطي من ذاته لإنقاذ الآخرين. إن الحملة السنوية للتبرع بالدم دعوة مفتوحة لكل فرد من أفراد المجتمع. إنها ليست مسؤولية الأطباء أو المتخصصين فحسب، بل مسؤولية جماعية تتوزع على الجميع، وكل تبرع هو لبنة في بناء الأمن الصحي للوطن، ومشاركة في إنقاذ حياة إنسان قد يكون قريباً أو صديقاً أو غريباً. وتبرع سمو ولي العهد –حفظه الله– بالدم ليس مجرد خبر عابر، بل حدث يحمل في طياته رسائل إنسانية ووطنية عميقة. إنه درس في القيادة بالقدوة، وإلهام للمجتمع نحو ثقافة العطاء، وخطوة استراتيجية لتحقيق الأمن الصحي وفق مستهدفات رؤية 2030، من الوريد إلى الوطن يمتد خيط الحياة ليصنع وطناً أقوى، مجتمعاً أرحب، ومستقبلاً يزدهر بالإنسان قبل كل شيء. * رئيس اللجنة الوطنية الخاصة للمجمعات الطبية