في صمت الرمال، وبين تضاريس الصخر، وجنون التنوع تتحدث المملكة العربية السعودية بلغة التاريخ، وموطن الحضارات المتعاقبة، وشاهد حي على ولادة الإنسان، وتطور العمران، وتلاقي الثقافات. تسعى المملكة، من خلال رؤية 2030، إلى إعادة تعريف موقعها الحضاري عالميًا كأرض زاخرة بالإرث الإنساني، والمادي والطبيعي، وقد باشرت الجهات المختصة، كمنظومة الثقافة، في خطوات نوعية للحفاظ على الآثار، وتسجيلها في قائمة التراث العالمي (اليونسكو)، لتصبح هذه المواقع رواة لقصة وطن لم ينقطع عن التاريخ. الصحراء ذاكرة الإنسانية «1429ه/ 2008م» حين تقف أمام مدافن الحِجر المنحوتة في الصخور الصفراء وسط وادي القُرى، تشعر أنك لا تقف أمام بقايا حضارة فحسب، بل أمام شاهد حي على قصة الإنسان، وتحوّلاته، وأثره في الزمن. الحِجر، أو "مدائن صالح" كما عُرفت سابقًا، هي أول موقع سعودي سُجّل ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2008م (1429ه)، وتُعد ثاني أبرز المدن النبطية بعد البتراء، وواحدة من أبرز المعالم الأثرية في الجزيرة العربية. حي الطريف... حديث المجد « 1431ه/ 2010م» في قلب الدرعية القديمة، وعلى ضفاف وادي حنيفة، يتربع حي الطريف كرمزٍ خالدٍ في ذاكرة الدولة السعودية، وكتلة معمارية من الطين تُحاكي التاريخ وتبث الحياة في جدرانها كلما مرّت الأجيال. إنه ليس مجرد حي؛ بل قلعة وطنية وسجل حيّ لبدايات تأسيس الدولة الأولى، وعنوان للقوة والمثابرة والصمود أمام كل محاولات النسيان أو الاندثار. قلعة من طين... وحكم من ذهب شُيّد حي الطريف في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، بأسلوب معماري نجدي تقليدي نادر، جعله من أكبر التجمعات العمرانية الطينية في العالم. وقد أصبح الحي مقرًا لحكم الدولة السعودية الأولى، إذ احتضن قصر سلوى الذي كان (قصر الحكم) ومركز القرار السياسي، وجامع الطريف الذي بناه الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، ثاني أئمة الدولة، ليكون منبرًا للدعوة والعلم. في عام 2010، أُدرج حي الطريف في قائمة التراث العالمي لليونسكو، ليكون ثاني موقع سعودي يُسجل بعد مدائن صالح، وهو اعتراف عالمي بأهمية الحي التاريخية والعمرانية والثقافية. وقد حظي الطريف باهتمام خاص من الملك سلمان بن عبدالعزيز حين كان أميرًا للرياض، ومن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضمن أعمال هيئة تطوير بوابة الدرعية، التي تهدف لجعل الدرعية رمزًا عالميًا. جدة التاريخية.. قلبُ الحكاية ومفترق الأزمنة «1435ه/ 2014م» في قلب مدينة جدة وعلى شاطئ البحر الأحمر، تقف جدة التاريخية كقطعة من الزمن، ومتحف مفتوح ينطق بالتاريخ والحضارة، وقصة متكاملة من الإنسان والعمران، وحكاية بدأت منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، حين استوطنها الصيادون وتحوّلت إلى ميناء استراتيجي، ثم إلى مَعلم ثقافي عالمي أدرجته منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي عام 2014م، ليُصبح شاهدًا على عبقرية المكان وأصالة الإنسان. نحت الإنسان.. جُبّة والشويمس «1436ه/ 2015م» في أقصى شمال المملكة العربية السعودية، حيث تنبض الأرض بحكايات الأسلاف، تقف منطقة حائل شامخة بمعالمها الأثرية التي تنطق بالحضارة، وفي مقدمتها الرسوم الصخرية في موقعي جبة والشويمس، التي حُفرت منذ آلاف السنين على جبال الصوان، لتسرد قصصًا عن الإنسان الأول، وعن أنماط حياته وثقافته وإبداعه، وتُسجّل اسم المملكة في سجل التراث العالمي بحروف من صخر. في عام 2015، وخلال اجتماعها التاسع والثلاثين في مدينة بون الألمانية، أدرجت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) موقعي جبة والشويمس ضمن قائمة التراث العالمي، ليكون رابع موقع سعودي يُسجّل بعد مدائن صالح وحي الطريف وجدة التاريخية. آبار حِمى.. نجران تتقاطع الأزمنة «1442ه/ 2021م» في جنوب المملكة العربية السعودية على أطراف محافظة ثار شمال نجران، تتدفق الحكايات كما الماء، من موقعٍ ليس كغيره. آبار حمى ليست مجرد آبار قديمة، بل هي مفترق زمني مرّت به القوافل، ونقشت حوله حضاراتُ سبعة آلاف عام قصصها على الصخور، وسكبت في محيطه لغاتها، ودفنت فيه أسرارها. إنها ذاكرة مائية ومتحفٌ مفتوحٌ للتاريخ الإنساني، يربط جنوب الجزيرة العربيّة بذاكرة الشرق الأدنى القديم، ويقف شامخًا في قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 2021م. واحة الأحساء.. الماء والحضارة «1439 ه/ 2018م» في قلب الصحراء الشرقية للمملكة، تتفتح الحياة خضراء بين الرمال. إنها واحة الأحساء، المعجزة البيئية التي لا تزال حتى اليوم تمثل أحد أروع مشاهد التفاعل بين الإنسان والطبيعة. بأكثر من 3 ملايين نخلة، ومئات العيون والينابيع، وتاريخ يمتد لآلاف السنين، استحقت الأحساء أن تُدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 2018، لتكون خامس موقع سعودي يُعترف به دوليًا، ليس فقط لفرادته البيئية، بل لثرائه الثقافي والحضاري العريق. محمية عروق بني معارض التراث الطبيعي يسجل حضوره «1445ه/ 2023م» تقع محمية عروق بني معارض على الحافة الجنوبية الغربية من صحراء الربع الخالي، شمال منطقة نجران، وتُعد من أغنى المواطن الطبيعية في المملكة، إذ تجمع بين الكثبان الرملية الشاهقة والهضاب الجيرية، ممتدة على مساحة تتجاوز 12,787 كم2. وتوّجت جهود الحفاظ عليها بتسجيلها عام 2023 كأول موقع تراث طبيعي عالمي في المملكة على قائمة اليونسكو، لتصبح شاهدًا على التوازن بين الحماية والتنمية. «الفاو».. ممالك على حافة الرمال «1446ه/ 2024م» في عمق الصحراء الجنوبية للمملكة، على تماس بين الرمال والصخور، حيث يتعانق وادي الدواسر مع أطراف طويق، تنبض "قرية الفاو" الأثرية بذاكرة حضارات تعاقبت، وتركت بصمتها في معمار، ونقوش، وآثار لا تزال تقاوم النسيان،كمدينة نابضة بالحياة، صاعدة في التجارة، وعاصمة لمملكة عظيمة... كندة. الموقع الذي لا يشبه سواه يقع جنوب غرب الرياض بنحو 700 كم، على الحافة الغربية للربع الخالي، تتويج عالمي: الفاو تدخل ذاكرة اليونسكو في عام 1446ه/2024م، سُجّل "المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية" ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، ليصبح ثامن موقع سعودي يحصل على هذا الاعتراف العالمي. انضم الموقع بذلك إلى قائمةٍ ذهبية تشمل الحجر، والدرعية، وجدة التاريخية، وفنون حائل الصخرية، وواحة الأحساء، وحمى الثقافية، ومحمية عروق بني معارض.