تُستخدم «نظرية الطوابير» (Queuing theory) من قبل الباحثين لتوظيفها في إسداء المشورة من أجل خدمة سريعة أو فهم أسباب تأخر تقديم الخدمة وبالتالي الحد من طوابير الانتظار الطويلة. لأن هذه الطوابير المتزاحمة من البشر أو المركبات تعطي مؤشرا سلبيا عن أي جهة تقدم طلبات أو خدمات، ولكن هذه النظرية والتي هي في أساسها تدخل في علم الرياضيات يمكن توظيفها بشكل عكسي تجاري ودعائي لتعطي دلالة مقلوبة، فامتداد الطابور خارج محل قهوة أو متجر يبيع أي سلعة دليل على شدة الإقبال وجودة المنتج، فبنظرة من خبير حول عدم الازدحام في متجر ما؛ يمكنه أن يقدم نصيحة بالإيعاز إلى الموظف بتأخير تسجيل الطلب لثوان معدودة لكل عميل أو تقليص عدد مسجلي الطلبات بما يمكن من تحقيق فكرة إطالة مدة إتمام الطلب لزيادة نسبة احتمالية قدوم عميل آخر يليه عميل ثم عميل لتحقيق فكرة وجود طابور انتظار! هذه إحدى أفكار الإيحاء من خلال توظيف النظريات المختلفة لطبع صورة ذهنية مستهدفة، وهناك الكثير من النظريات ذات المعطى الاقتصادي أو الإداري أو الحسابي وغيرها. يمكن التعامل معها من زوايا معاكسة أو مقلوبة لعكسها على الواقع الاجتماعي بما يخدم هدف تجاري أو دعائي. أما في حالة وجود طوابير حقيقية دون خلق هذه الأجواء المفتعلة من الطوابير، فإن هناك عدة نماذج ونظريات يمكن دراسة هذه الحالات من خلالها. وما أثار هذا الموضوع تحديدا هو تكرر النقاشات في الوسائل المختلفة عما يمكن تسميته ب»ظاهرة الطوابير» أمام بعض المتاجر، ومحال القهوة تحديدا، وهو أمر يمكن نقاشه من خلال فكرة نظرية الطوابير في الحالات المفتعلة، ومن خلال نظريات اجتماعية ونفسية واقتصادية في حالات أخرى، وهو في كل الأحوال ظاهرة طبيعية لا تعطي أي مؤشر سلبي ما دام الوقوف وانتظار الدور يتم دون مضايقات أو حالات فوضى أو إغلاق طرق عبور المشاة أو المركبات؛ بل قد يكون الوقوف في هذه الطوابير عند بعض الحالات دلالة على صيغة من صيغ تنظيم الوقت، وتحفيز الإنجاز والانشغال النافع، فنحن نسمع من يقول: كافأت نفسي بكوب قهوة، وهذا سلوك تحفيزي يعزز من قيمته واستدامة تأثيره الحصول على هذه القهوة من مكان مزدحم. كما أن مقولة «الإنسان اجتماعي بطبعه»، وهي مقولة أصيلة في علم الاجتماع تُفهم على مستويات متعددة، فالإنسان يحتاج أن يكون جزءا من مجموعة بأشكال مختلفة لهذه المجموعة، وهذا مرتهن بعدة عناصر تحدد نوع هذه المجموعة، وقد تكون المرحلة العمرية هي العامل الأبرز في حالة الوقوف في طابور للحصول على كوب قهوة، فمن النادر أن نجد من يدخلون ضمن مرحلة كبار السن ينتظمون في مثل هذه الطوابير، كما أن النظرية الاجتماعية النفسية «الدليل الاجتماعي» تفسر هذا الأمر من بعض زواياه؛ بأنه ميل البعض إلى تقليد سلوكيات آخرين، وهو ما أشارت إليه الدكتورة ناهد باشطح في أحد النقاشات. وجود الطوابير عند محال القهوة دليل على مرحلة تحولية في أي مجتمع، وهو سلوك لا يدعو إلى القلق، ولكنه جدير بالدراسة والكتابة، وفي حالة المجتمع السعودي فإن القهوة وهي جزء من التكوين الثقافي قد بدأت تتخذ أشكالا متنوعة من قهوة سوداء وقهوة بالحليب وغيرها مع الاحتفاظ بالقيمة العليا للقهوة العربية السعودية جزء من ثقافة أصيلة غير مادية في طريقة إعدادها وأدواتها وطرق تقديمها.