بدء أعمال صيانة ورفع كفاءة نفق طريق الملك فهد مع تقاطع الأمير فيصل بن فهد بالخبر    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    سعود بن بندر يستقبل رئيس غرفة الشرقية    البرلمان العربي: وفد رفيع المستوى يتوجه في زيارة لمعبر رفح غدا    لجان البرلمان العربي الدائمة تختتم اجتماعاتها    وزارة الرياضة تعلن توقيع عقود تنفيذ فندقين في مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    القيادة تهنئ رئيس جمهورية مدغشقر بذكرى استقلال بلاده    رونالدو يقترب من تجديد تعاقده مع النصر السعودي    القبض على 3 مخالفين لنظام أمن الحدود ظهروا بمحتوى مرئي في صبيا    النفط يرتفع مع انخفاض مخزونات الخام الأمريكية، وتعزيزات قوة الطلب    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    بيئة الشرقية تقيم فعالية توعوية عن سلامة الغذاء بالشراكة مع مستشفى الولادة بالدمام    الخط العربي بأسلوب الثلث يزدان على كسوة الكعبة المشرفة    مونتيري المكسيكي يفوز على أوراوا الياباني برباعية ويصعد لدور ال16 بكأس العالم للأندية    الذكاء الاصطناعي.. نعمة عصرية أم لعنة كامنة؟    مجلس الشورى" يطالب "السعودية" بخفض تذاكر كبار السن والجنود المرابطين    روسيا تسقط 50 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    في جولة الحسم الأخيرة بدور المجموعات لمونديال الأندية.. الهلال يسعى للتأهل أمام باتشوكا    في ربع نهائي الكأس الذهبية.. الأخضر يواصل تحضيراته لمواجهة نظيره المكسيكي    القيادة يهنئ رئيس جمهورية موزمبيق بذكرى استقلال بلاده    "الغذاء " تعلق تعيين جهة تقويم مطابقة لعدم التزامها بالأنظمة    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    بحضور مسؤولين وقناصل.. آل عيد وآل الشاعر يحتفلون بعقد قران سلمان    طقس حار و غبار على معظم مناطق المملكة    الجوازات: جاهزية تامة لاستقبال المعتمرين    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    10.9 مليار ريال مشتريات أسبوع    سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرّج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    مؤتمر صحفي يكشف ملامح نسخة تحدي البقاء لأيتام المملكة    الإبداع السعودي يتجلى في «سيلفريدجز» بلندن    «الظبي الجفول».. رمز الصحراء وملهم الشعراء    رخصة القيادة وأهميتها    مرور العام    جبر الخواطر.. عطاءٌ خفيّ وأثرٌ لا يُنسى    صوت الحكمة    صيف المملكة 2025.. نهضة ثقافية في كل زاوية    بكين تحذّر من تصاعد توترات التجارة العالمية    دورتموند يكسب أولسان ويتصدر مجموعته بمونديال الأندية    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الجوز.. حبة واحدة تحمي قلبك    الميتوكوندريا مفتاح علاج الورم الميلانيني    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طوابير التقدم ... وطوابير التخلف
نشر في الحياة يوم 07 - 11 - 1998

الانتظار في الطوابير مظهر من المظاهر الحضارية التي يتصف بها العالم المتقدم. ونعجب بها ونعجب لها حين نزور تلك الدول باعتبارها دليل الانضباط والحرص على اعطاء كل ذي حق حقه بالمحافظة على "الدور" والاسبقية في الترتيب.
الدول المتقدمة لا تعرف التزاحم على مقاعد الاوتوبيس، ولا على مقاعد السينما والمسرح، ولا الهجوم على السلع المعروضة في غير نظام. فالطوابير، التي هي عنوان النظام، هي في الواقع اقوى دليل على التصدي لكل صور الهمجية والحرص على القضاء عليها.
ولكن تكوين الطوابير شيء ووقوف كل واحد في طابور متجمد لا يتحرك شيء آخر. فالطابور في الدول المتقدمة عندما يتكوَّن لا بد له من وقت محدد يتفكك خلاله وينفض من فيه ويمضي كل واحد في حال سبيله بعد ان يقضي مصلحته التي من اجلها وقف في الطابور.
اذا كان الطابور لركوب الاوتوبيس كان طبيعياً ان يتوقع كل واقف في الطابور ان يركب الاوتوبيس في دوره. واذا كان الطابور لشراء غسالة او ثلاجة كان من الصعب ان يتصور احد من الواقفين في الطابور ان يظل في طابور الانتظار غير المرئي لسنوات وسنوات.
اما الطوابير التي يصنعها الناس من اجل ركوب الاوتوبيس أو الحصول على بقالتهم او دجاجتهم او صندوق من المياه الغازية او غير الغازية او دستة اي دزينة من البيض فلا بد لها ان تتحرك بأن يحصل كل واقف فيها على حاجته او خدمته خلال زمن معين محسوب، يستوي في ذلك ركاب الاوتوبيس او عملاء المصارف او ركاب الطائرات او اي راغب في شراء شقة او ارض او ثلاجة او اسمنت. فالوقوف في طوابير الانتظار لا بد ان يكون موقوتاً.
فالطابور الطويل يثير عند المواطن نوعاً من الضيق اياً كان مستوى هذا المواطن ما دام واقفاً في هذا الطابور لشراء تذكرة سينما او لشراء طابع بريد او لسداد فاتورة هاتف او لصرف شيك من المصرف او لتقديم اوراق الالتحاق بالجامعة او لأي سبب آخر، ولكنه لا يحس بقيمة الطابور القصير حتى ولو كان واقفاً فيه. ذلك لأن الطابور الطويل يعني طول الانتظار، وطول الانتظار يعني بطء الانجاز وعدم كفاءة الاراء. هذا من الناحية الاقتصادية العامة، اما من الناحية الشخصية الاجتماعية والنفسية فإنه يثير سخط المواطن المتجمد داخل الطابور وامتعاضه وكرهه لنفسه وللناس كراهية تتزايد بازدياد زمن وقوفه في الطوابير وبازدياد طول الطوابير ذاتها... على نقيض ما اذا كان الطابور قصيراً فإن انتظاره في هذا الطابور لا يطول.
ولكن تطاول الطوابير وتجاوزها حدود القصر يعنيان مضيعة للتكاليف حيث تتوزع التكلفة على عدد اقل من العملاء. ومن هنا يحرصون في العالم المتقدم على زيادة منافذ الخدمة اذا كان عدد الطالبين لها كبيراً، واغلاق بعضها في الاوقات التي يقل الطلب على هذه الخدمة.
ومثل هذه الاجراءات لا تتم اعتباطاً، اذ لا يمكن سحب الموظفين او اغلاق شبابيك الخدمة في المصارف مثلا والناس ينتظرون في الطوابير ويتزايدون تباعاً. كما انه لا يمكن ترك اعداد من الموظفين في اماكنهم يتكلمون ويتسامرون لأنهم لا يجدون ما يفعلونه وليس امامهم من يخدمونه. فالقضية هنا هي قضية منع تكوم الموظفين او تراكمهم مع منع تكوم العملاء وتراكمهم، بل لا بد من ايجاد التوازن بين الخادمين والمخدومين، بين تدفق الخدمات والسلع حتى لا يطول انتظار الراغبين فيها.
ويكمن الحل في ما يسمى علمياً بنظرية الصفوف "Theory of Queues" أو "Queuing Theory" من دون الاعتماد على الفهلوة أو الهيمنة في تحريك الموظفين من أماكنهم حيثما اتفق بلا معيار، كما لا يصح الاعتماد على الفهلوة والهيمنة في تحريك المنتظرين في الطوابير أو المنتظرين على قوائم انتظار السلع التي تتكاسل المصانع عن انتاجها أو تتكاسل المتاجر عن توريدها.
ولكن النظرية وحدها لا تكفي لحل مشاكل التخلف التي اعتدناها واستمرأناها. فالطوابير التي تقف امام الموظفين، والموظفون الذين يهملون في تلبية طلباتهم، لن تتعدل لمجرد ان هناك نظرية تحكم تكوينها. فأمثال هؤلاء الموظفين يتصفون قطعاً بالبلادة وضيق الأفق، وإلا فكيف لا يتصور الموظف الذي يهمل أو يتجاهل الواقفين أمامه أن كل واحد من هؤلاء الواقفين لا بد ان هناك طابوراً آخر ينتظر عودته الى مقر عمله. فإذا هو تأخر امام هذا الموظف فسوف تتأخر طوابير اخرى في انتظار عودته ويترتب على ذلك تعطيل مصالح كل الناس الذين يراهم والذين لا يراهم، او بالاحرى لا يريد ان يعترف بأنه يمكن أن يراهم.
أي ان استطالة طابور واحد في أي مكان معناه استطالة كل الطوابير في كل مكان وفي الوقت نفسه.
كما أنه من العجيب حقاً أن يغيب عن ذهن الموظف الموقر أنه أصلاً مواطن شأنه شأن المواطنين المتجمدين امامه في الطابور المتجمد او شأن المتزاحمين على مكتبه كعش النمل. فهم أيضاً مواطنون مثله. ولكن الموظف الهمام لا يستطيع أن يدرك أن الدوائر لا بد أن تدور ويقف هو نفسه في طوابير المذلة لقضاء أمر يخصه من موظف له نفس بلادته فيضيق صدره به كما تضيق صدور المواطنين الغلابة وهم يقفون امامه في طوابير الإذلال العتيد في استسلام مهين.
وخطوط الانتاج الكسولة التي لا تلبي احتياجات مواطنيها، وتظل تستقبل طلبات الطالبين تراكمياً وبلا أي حساب او تقدير لعجزها عن مواجهة الطلب سنوات وسنوات، تستشري فيها الاسعار وترتفع بلا التزام للسعر المتفق عليه عند البداية، وحتى اذا هم اغلقوا باب الحجز من قبيل صيانة كرامة الانتاج المتخلف الكسول التهبت الاسعار اكثر وأكثر.
نظرية الطوابير إذن، او نظرية الصفوف، هي الأساس في حماية المستهلكين وهم عامة المواطنين وحماية كرامة المنتجين قطاع الاعمال .
وهذه النظرية قابلة للتدريس، وقابلة للتعلم، ويتم تدريسها احياناً بواسطة اساتذة الإحصاء وأحياناً بواسطة اساتذة الادارة واحياناً بواسطة اساتذة الهندسة والرياضيات
ولكن التدريس وحده لا يكفي، والتعليم وحده لا يكفي، لأن العقبة عندنا دائماً وابداً... في التطبيق!
* أستاذ في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.