لغة الجسد تتقاطع مع الانثربولوجيا وعلوم النفس والاجتماع، ويجوز اعتبارها من أشكال الفراسة، لأنها تستدل على معرفة الدواخل بالظواهر، والدراسات أكدت أن الأشخاص يفكرون ب800 كلمة في الدقيقة الواحدة، ولكنهم لا يستطيعون التعبير إلا عن 120 كلمة في ذات المدة، وأنه ليس بإمكانهم التحكم إلا في 10% من لغة أجسادهم.. الحركات غير اللفظية، أو ما يسمونه لغة الجسد، تحولت إلى ما يشبه المهنة عند بعض مؤثري السوشال ميديا، وتحديداً في المملكة والمنطقة العربية، وأغلبهم يرددون باستمرار نتائج دراسة أميركية، نشرت في فترة سابقة، وفيها أن 93% من حالات التواصل بين الناس تتم عن طريق لغة الجسد، ويقدمونها كحجة على صحة تفسيراتهم، مع أن الثابت الوحيد هو احتفاظ الجسد بذاكرة عضلية وعصبية لا واعية، يستعيدها تلقائيا عند معايشة تجارب جديدة، وبما يحفز لديه ماضيا سلبيا أو إيجابيا مشابها، وقد يكون بعيدا كل البعد عن الموقف محل القراءة، وشطحات من يستنطقون الجسد محل اعتراض من أهل الاختصاص في دول كثيرة وبالدليل العلمي. من الشواهد على ذلك، دراسة نشرتها جامعة ماكجيل الكندية عام 2018، وتم فيها جمع ألف ورقة بحثية تناولت لغة الجسد، وبعد مراجعتها اتفق الباحثون على أنها يمكن أن تنقل إحالات عاطفية بالفعل، ولكن الادعاءات التي تربط بينها وبين حركات معينة، سواء لليدين أو القدمين أو الوجه، لم تثبت من الناحية العلمية، وفي رأيهم، محاولة ربط الأمور الذهنية بإيماءات محددة، أو الاستنتاج أنها ستؤثر على الناس، مشكوك في صحتها، وتصل إلى مستوى العلوم الزائفة، وهذه الحقيقة لوحدها، كافية لنسف كل توهمات من يسمون أنفسهم خبراء لغة الجسد، وهم في معظم الأحيان محتالون بارعون، يسرقون عقول الأشخاص بكلمات لا تساوي وزنها علفًا. بالإضافة لما سبق، أجريت دراسة مشابهة، في جامعة شمال بوسطن الأميركية عام 2019، وأشارت إلى أنه لا يوجد قاموس لمعاني السلوكيات غير اللفظية، لأن الأمر سياقي بالدرجة الأولى، ويتأثر بحالة الشخص النفسية، وبالإثنية أو الجنسية التي يحملها، وبثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، ما يفيد أن تفسيرات لغة الجسد تختلف باختلاف الأشخاص، والزمان والمكان والحدث.. ولعل اللافت دراسة أجرتها جامعة بورتسموث البريطانية عام 2020 على خبراء في لغة الجسد، تمت مطالبتهم بتحديد هويات مهربي المعابر الحدودية، بين أميركا والمكسيك، والتفريق بينهم وبين الأشخاص العاديين، وذلك عن طريق مقابلات سجلت معهم بالفيديو، وكانت النتيجة أن 39,2% من هؤلاء الخبراء استطاعوا التعرف على المهربين، والبقية أو 61,8% سجلوا فشلا مدويا، ولم يتعرفوا على أحد، ووقع بعضهم في فخ الاشتباه بأشخاص عاديين، والنسبة إجمالا أقل بمراحل من احتمال اكتشافهم بالصدفة من قبل آخرين لا يفهمون شيئا في لغة الجسد. مشروع الجينيوم البشري الذي تم إنجازه في 2004، أو قبل 21 عاماً، افترض أن الناس الموجودين في الوقت الحالي ينحدرون في الأصل من مجموعة بشرية واحدة، عاشت في شرق أفريقيا قبل خمسين ألف عام، وعددها قرابة خمسة آلاف زوج وزوجة، وفي تلك الأيام لم تكن اللغة حاضرة، وكان التواصل يتم عن طريق الأصوات والحركات والإيماءات، ما جعلها بمثابة قاموس لغوي، يتعاملون به مع بعضهم، أو هذا ما يروج له أصحاب لغة الجسد، والأخير لم ينتشر بشكل واسع، إلا في 1976، عندما قام الأميركي من أصل أفريقي يوليوس فاست، بنشر كتابه "لغة الجسد"، وبعدما حقق من ورائه مبيعات وصلت لأكثر من ثلاثة ملايين نسخة، ما حرض الكثيرين على البحث في الموضوع وتطويره، ومن ثم المتاجرة به. بعض المهتمين يعتقدون أن نظرة العين كافية لكسب أو خسارة الشخص المقابل، ويعتبرون الجلوس والوقوف بأسلوب معين، سبباً لفقد الشخص فرصته في الحصول على وظيفة، ولغة الجسد لا تزال محلاً للاهتمام، خصوصا في مناظرات سباق الرئاسة الأميركية، والمحللون يتعاملون معها وكأنها حقائق، ويعتقد محققو مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي أنها مناسبة في مرحلة الاستجواب، ومن وجهة نظرهم، تعتبر الجبهة المكان الأكثر إنتاجا للإشارات، وبالأخص علامات الغضب والتعجب، وشكلها يساعد في معرفة ما إذا كان الشخص عصبيا أو هادئاً أو متوتراً، وما سبق يمثل رأياً جنائياً، وأرجح أنها مجرد افتراضات مفيدة كقرائن مساعدة، ولكنها لا تصل إلى مستوى الدليل أو تقترب منه. لغة الجسد تتقاطع مع الانثربولوجيا وعلوم النفس والاجتماع، ويجوز اعتبارها من أشكال الفراسة، لأنها تستدل على معرفة الدواخل بالظواهر، والدراسات أكدت أن الأشخاص يفكرون ب800 كلمة في الدقيقة الواحدة، ولكنهم لا يستطيعون التعبير إلا عن 120 كلمة في ذات المدة، وأنه ليس بإمكانهم التحكم إلا في 10% من لغة أجسادهم، وخبراء قراءة الأجساد كثيرون في المجتمع السعودي، لدرجة أن أحدهم اكتشف أن معلم الشاورما المجاور لبيته يمكنه قراءة هذه اللغة باحترافية، وكلهم يقعون في خطأ استخدامها لتحليل الشخصية، والصحيح أنها لا تصلح في أحسن الأحوال إلا لتحليل المواقف اللحظية، وأكثر من يهتم بها السياسيون والإعلاميون والممثلون، ومتحدثو الأجهزة الحكومية والخاصة، باعتبارها مفيدة لهم في أعمالهم، كونها تعتمد على التصرفات الآنية المباشرة، وتنقل رسائل غير منطوقة تستهدف من يشاهدونهم.