بعد أن سئم مزارع القمح العراقي عبدالله العلي من دفع فواتير باهظة مقابل إمدادات الكهرباء المقطوعة معظم الوقت، صار واحدًا من عدد متزايد من المزارعين الذين لجؤوا لاستخدام الألواح الشمسية لضمان استمرار أنظمة الري الخاصة بهم في العمل خلال حر الصيف اللافح في العراق. ويواجه العراق، العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وأحد أكبر منتجي النفط في العالم، صعوبة في توفير الطاقة لمواطنيه منذ الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة في عام 2003 وأطاح بصدام حسين. وفي ظل الاضطرابات التي أعقبت ذلك، أدى تراجع الاستثمار وسوء الإدارة إلى عدم قدرة الشبكة الوطنية على مواكبة الطلب. وقال شاهد من رويترز في الموصل بمحافظة نينوى الزراعية في شمالي البلاد إنه في بعض أيام الصيف عندما يمكن أن تتجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية، توفر شبكة الكهرباء إمدادات لنصف الوقت فقط تقريبا. وبلغت فاتورة الكهرباء الشهرية للعلي قرابة المليون دينار عراقي (763.94 دولار)، ومنذ تركيب الألواح الشمسية، قال إنه أصبح يدفع للشبكة الوطنية 80 ألف دينار عراقي، وصار بوسعه التعويل على إمداداته من الكهرباء. وقال العلي "إحنا استخدام الطاقة النظيفة هنا بالمزرعة طبعا صار سنتين نستخدمها، السنة الأولى جربنا بالمنزلي وشفنا فوائدها، قللت علينا فواتير الكهرباء وتعطينا كهرباء مستقرة ومستمرة بنفس الوقت". وأضاف "في السنة الثانية، بدينا نطورها وكبرنا حجم المنظومة اللي عندنا ودخلنا أكثر عدد من الألواح حتى نبدي نستخدم الطاقة النظيفة لتشغيل المكان والمعدات اللي عندنا بالمزرعة. شفنا إنه أيضا فوائد رفعت أحمال المزرعة عن الشبكة الكهرباء الوطنية وبتعطينا كهرباء مستقرة على مدار تقريبا سبع ساعات، وفي الصيف 11 ساعة". وبالإضافة إلى ثرواته النفطية، يتمتع العراق بإمكانات هائلة في مجال الطاقة الشمسية تقول السلطات إنها ستستغلها لسد الفجوة بين العرض والطلب، وفي الوقت نفسه للحد من انبعاثات الكربون. ووفقا لوزارة الكهرباء، فإن لدى الدولة خطة لامتلاك القدرة على إنتاج 12 جيجاوات من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، وهو ما يتضمن تنفيذ محطة للطاقة الشمسية بقدرة واحد جيجاوات للبصرة هذا العام. وتشير تقديرات وزير الكهرباء العراقي في يناير كانون الثاني إلى أنه من المتوقع أن تصل ذروة الطلب على الكهرباء في فصل الصيف في عام 2025 إلى 55 جيجاوات، في حين تبلغ الإمدادات 27 جيجاوات فقط. ويقدم البنك المركزي أيضا قروضا بفائدة منخفضة للمواطنين الذين يشترون الألواح الشمسية. وقال العلي "حاليا أنا اعتمدت كمزارع على نفسي اعتماد ذاتي، بالموارد الذاتية... سمعنا إنه هناك دعم حكومي في هذا المجال، مبادرة يرعاها البنك المركزي العراقي، بس أني ما اتجهت إليها صراحة، وما أعرف الفلاحين اللي توجهت للمبادرة بيقدر يحصل ألواح ولا لا". والعلي ليس المواطن الوحيد الذي لم ينتظر تحرك الحكومة. ويستطيع المزارعون في أنحاء نينوى استخدام الألواح الشمسية المثبتة على الأسطح أو في صفوف على الأراضي الزراعية لتشغيل أنظمة الري وتلبية احتياجات المنازل. وفي المناطق الحضرية يجري رص الألواح متجاورة على الأسطح المستوية، التي تميز منازل الموصل، لتوليد أقصى قدر من الطاقة. وقال حسن طاهر، وهو مهندس زراعي من سكان الموصل، إن التحول إلى الطاقة الشمسية أدى إلى تغيير حياته بالمنزل. ويقول طاهر "تقريبا صار لي شهر ونص من تميت عملية النصب (منذ إتمام تركيب الألواح الشمسية) وإلغاء خط المولدات، والحمد لله ما احتجنا أي كهرباء أخرى غير الطاقة الشمسية والكهرباء الوطنية اللي داخلة المنزل... أنا بتجيني أوقات ما أعرف هذا هل هو خط يعني مولد خارج المنظومة ولا خط وطني، لأن ما بتقطع الكهرباء الحمد لله، وشغلها ممتاز مريح جدا". وقال محمد القطان، الذي يدير شركة موصل سولار لأنظمة الطاقة الشمسية، إن الإقبال ارتفع بشكل كبير في عامي 2024 و2025، وخاصة من المجتمعات الريفية، حيث يعيش 70 بالمئة من عملائه. ويقول القطان "سكان مدينة الموصل تقريبا اليوم بنقول 10 بالمئة داخل المدن يستخدمون الطاقة الشمسية. وإذا نرجع ونقول القرى والأرياف، تقريبا نسبة 70 بالمئة بالقرى والأرياف تحولوا على الطاقة الشمسية بسبب أغلب القرى لا يوجد مولدات أهلية". ورغم فاعليتها المتنامية من حيث التكلفة، لا تزال أنظمة الألواح الشمسية في العراق تكلف ما بين خمسة إلى عشرة ملايين دينار عراقي، ويبلغ متوسط سعر النظام الذي يولد ما بين خمسة إلى ستة كيلووات حوالي خمسة ملايين دينار. وقال القطان "منظومات الطاقة الشمسية، تقريبا خمسة كيلو وات أو ستة كيلو وات، اللي هي تغذي 20 أمبير بالنهار و10 أمبير بالليل، هاي المنظومة الكلفة التقديرية لها بشكل تقريبي خمسة مليون دينار عراقي (3817.89 دولار). هاي كمتوسط سعر، هناك أغلى وأقل". ويقول الكثير من المستخدمين إنهم يستعيدون التكلفة الأولية في غضون ما يتراوح بين عام وثلاثة أعوام، وتأتي معظم الأنظمة مع ضمان لمدة 15 عاما. ويرى القطان أنه "مقارنة مع المولدات الأهلية فهذا السعر التقريبي يطلع خلال سنتين، هذا الرقم تقريبا يقدر يتوفر للمواطن وبيكون بقية المنظومة مجاني لمدة 30 سنة العمر الافتراضي للألواح". ويتجنب المستخدمون بذلك أيضا الحاجة إلى مولدات الديزل باهظة الثمن، والتي تنبعث منها مستويات عالية من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الملوثات. وفي المناطق الحضرية، لجأ عدد من أصحاب المنازل إلى الاشتراك في مصدر احتياطي من مولد كهربائي، بتكلفة تتراوح بين 50 ألفا و100 ألف دينار شهريا. وذكر أحمد محمود فتحي، المدير في فرع نينوى التابع لشركة الكهرباء الحكومية، أن أنظمة الطاقة الشمسية المثبتة منفصلة عن الشبكة، مما يعني أن أصحابها مكتفون ذاتيا تقريبا من الطاقة. وقال فتحي "إن شاء الله، بعد إقرار قانون الطاقة المتجددة من قبل مجلس النواب، راح يكون هنالك سعر تعرفة للطاقة الكهربائية المتولدة من الطاقة المتجددة. فبإمكان المواطن إذا اكتفى بالطاقة الشمسية إن يرجع للشبكة الوطنية ويتقاضى المبالغ من وزارة الكهرباء عن قيمة الكهرباء التي راح يصدرها (يوفرها) للشبكة الوطنية". ولا يدفع المستخدمون لدائرة الكهرباء إلا مقابل استخدام الشبكة الوطنية ليلا، وهو ما يجذب المزارعين بشكل خاص لأنهم يستخدمون مضخات الجهد العالي نهارا ولا يحتاجون إلى الكهرباء ليلا. وقال عمر عبد الكريم شكر رئيس شركة تبيع الألواح الشمسية، لرويترز إن المواطنين أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض يشترون أنظمة الطاقة الشمسية في ظل مبادرات حكومية تشجع على استخدامها. وأضاف "من ناحية التسهيلات اللي قدمتها الحكومة، أول شي رفعت الغرائم (الضرائب) على محتويات الطاقة (الشمسية) من ألواح وبطاريات. وفي نفس الوقت قدمت مبادرة معينة من البنك المركزي. لكن واجهنا بعض الصعوبات مع مبادرة البنك المركزي، أهمها هي نسبة الفوائد، على مدار سبع سنين قدّرت تقريبا بواحد وثلاثين بالمئة".