في خطوة تاريخية تعكس مكانة المملكة المتنامية على الساحة الدولية، اختارت لجنة الأممالمتحدة للمياه المملكة العربية السعودية كنموذج عالمي لأفضل الممارسات في استدامة المياه وتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة. هذا الاختيار ليس مجرد تقدير دولي عابر، بل هو شهادة حقيقية على العمل الدؤوب والرؤية الاستراتيجية الثاقبة التي تتبناها القيادة السعودية الحكيمة. فأن تُختار المملكة، التي تقع في منطقة تعاني من ندرة شديدة في الموارد المائية الطبيعية، كنموذج عالمي لاستدامة المياه، فهذا إنجاز استثنائي يفوق كل التوقعات ويضعها في مقدمة الدول الرائدة عالمياً في هذا المجال الحيوي. إن هذا الإنجاز المائي العظيم ما هو إلا قطرة في بحر الإنجازات التي تحققها المملكة في مختلف المجالات، من التحول الاقتصادي الجذري إلى الريادة في الطاقة المتجددة، ومن المشاريع الضخمة الطموحة إلى التميز في المحافل الدولية. إنها قصة نجاح سعودية حقيقية تستحق أن تُروى بفخر واعتزاز، قصة وطن يتطلع إلى المستقبل بثقة وعزيمة، ويحول التحديات إلى فرص، والأحلام إلى واقع ملموس. في قاعات الأممالمتحدة في نيويورك، وأمام ممثلي دول العالم، وقفت المملكة العربية السعودية شامخة تستعرض تجربتها الفريدة في تحقيق أمن المياه واستدامتها، في منطقة تُعتبر من أكثر مناطق العالم جفافاً وندرة في الموارد المائية الطبيعية. وفي لحظة تاريخية مشهودة، أعلنت لجنة الأممالمتحدة للمياه اختيار المملكة كنموذج عالمي لأفضل الممارسات لتسريع تحقيق المستهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة والخاص بالمياه. هذا الإنجاز المشرف لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة عمل متواصل وتخطيط استراتيجي مدروس بعناية. فالمملكة، التي تقع في قلب الصحراء العربية حيث تندر الأمطار وتشح الأنهار، استطاعت أن تحول هذا التحدي الجغرافي إلى قصة نجاح ملهمة تُدرّس اليوم في أروقة الأممالمتحدة كنموذج يُحتذى به. الأرقام تتحدث بوضوح عن حجم هذا الإنجاز المذهل، فقد ارتفع مؤشر الإدارة المتكاملة للموارد المائية في المملكة من 57 % في عام 2017 إلى 83 % في عام 2023، وهو ما يُعتبر أحد أسرع معدلات الارتفاع العالمية في مؤشر أهداف التنمية المستدامة 6.5.1. هذا الارتفاع الاستثنائي بنسبة 26 نقطة مئوية في ست سنوات فقط يعكس حجم الجهود المبذولة والاستراتيجيات المبتكرة التي تبنتها المملكة. وعندما نضع هذا الإنجاز في سياقه الصحيح، ندرك حجم التحدي الذي واجهته المملكة وتفوقت عليه، فبينما تتمتع دول كثيرة حول العالم بوفرة في الموارد المائية الطبيعية من أنهار وبحيرات وأمطار غزيرة، استطاعت المملكة أن تتفوق عليها جميعاً في مجال إدارة المياه واستدامتها، مما يجعل هذا الإنجاز أكثر إبهاراً وإعجازاً. الدروس المستفادة من التجربة السعودية، كما استعرضتها وزارة البيئة والمياه والزراعة أمام لجنة الأممالمتحدة، تتلخص في خمسة مرتكزات أساسية حولت المملكة إلى نموذج عالمي، أولها الإرادة والالتزام السياسي رفيع المستوى، حيث تبنت قيادتنا الرشيدة والحكيمة رؤية طموحة وواضحة لتحقيق الأمن المائي، وخصصت لها الموارد والإمكانيات اللازمة دون تردد أو تأخير. المرتكز الثاني يتمثل في تصميم استراتيجيات ذات أدوار واضحة وأهداف قابلة للقياس، حيث لم تكتف المملكة بوضع خطط عامة، بل وضعت استراتيجيات محددة بمؤشرات أداء واضحة وجداول زمنية محددة، مما مكّن من متابعة التقدم وتقييم النتائج بدقة، وهذا ما يعكس جدية القيادة السعودية في تطبيق تلك الاستراتيجيات المهمة. أما المرتكز الثالث فهو إشراك القطاع الخاص كشريك حقيقي في تقديم الخدمات والبنية التحتية، حيث فتحت المملكة المجال أمام الاستثمارات الخاصة والشراكات الاستراتيجية، مما أدى إلى تسريع وتيرة التطوير وتحسين جودة الخدمات المقدمة. المرتكز الرابع يركز على الاستفادة من الابتكار والبيانات لتعزيز حوكمة المياه، حيث تبنت المملكة أحدث التقنيات في مجال إدارة المياه، من أنظمة المراقبة الذكية إلى تقنيات التحلية المتطورة، مما مكّنها من تحقيق كفاءة عالية في استخدام الموارد المائية. وأخيراً، المرتكز الخامس الذي يتمثل في بناء الشراكات والتعاون الدولي، حيث لم تنعزل المملكة عن التجارب العالمية، بل سعت إلى التعلم من أفضل الممارسات الدولية وتطويرها لتناسب ظروفها الخاصة، كما شاركت خبراتها مع دول أخرى تواجه تحديات مماثلة. هذا النهج المتكامل والمدروس أدى إلى تحسين ملحوظ في الكفاءة والتنسيق وجودة الخدمة. إن اختيار الأممالمتحدة للمملكة كنموذج عالمي لاستدامة المياه ليس مجرد تقدير لما تحقق، بل هو دعوة للعالم للتعلم من التجربة السعودية الفريدة. إنه اعتراف دولي بأن الإرادة والعزيمة والتخطيط السليم يمكن أن تتغلب على أصعب التحديات الجغرافيية والطبيعية، وأن المملكة العربية السعودية قد كتبت فصلاً جديداً في تاريخ إدارة الموارد المائية على مستوى العالم؛ ودام عزك يا وطن.