دعت منظمة "اليونيسيف" إلى توفير الموارد لتوسيع نطاق الاستجابة في السودان، وتقديم المساعدات للأطفال، خاصة في المناطق الواقعة على خطوط المواجهة ب"الفاشر" و"الدلنج" و"كادقلي". كما دعت إلى بذل الجهود الدبلوماسية من أجل السلام في السودان، ووقف الصراع الذي تسبب في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، والسماح بالمرور الآمن لعمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية. وأشارت "اليونسيف" إلى أن منطقتي "الخرطوم" و"جبل أولياء" في ولاية الخرطوم تتحمل 37% من عبء سوء التغذية، والانتشار السريع لوباء الكوليرا، ومعرضتان بشدة لخطر المجاعة الوشيك، وهما الأكثر تضررًا من العنف المستمر وصعوبة الوصول. من جهة أخرى سجّلت 63 وفاة على الأقل خلال أسبوع بسبب "سوء التغذية" في مدينة الفاشر بإقليم دارفور والتي تحاصرها قوات الدعم السريع منذ أكثر من عام، وفق ما أفاد مصدر في وزارة الصحة السودانية امس. وقال المصدر لوكالة فرانس برس إن "عدد الذين ماتوا بسبب سوء التغذية في مدينة الفاشر بين يومي 3 و10 آب/أغسطس بلغ 63 شخصا أغلبهم نساء وأطفال". وأوضح المسؤول الطبي الذي طلب عدم ذكر اسمه أن هذه الحصيلة تقتصر على من تمكّنوا من الوصول الى المستشفيات، مشيرا الى أن كثرا يعجزون عن ذلك بسبب العنف. أضاف "إذا مات الشخص في البيت يتم دفنه مباشرة". تحاصر قوات الدعم السريع التي تخوض حربا ضد الجيش منذ أكثر من عامين، الفاشر منذ مايو 2024. وهي المدينة الرئيسة الوحيدة في إقليم دارفور (غرب) التي لا تزال تحت سيطرة الجيش. وأدى هجوم عنيف للدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين في ضواحي الفاشر في أبريل إلى نزوح عشرات الآلاف، أصبحوا الآن لاجئين داخل المدينة. ويعتمد معظم سكان دارفور في طعامهم على "التكايا" أو المطابخ العامة التي تقدم وجبات للمواطنين، وباتت تعاني بدورها نقصا كبيرا في الموارد. ومع اضطرار المطابخ العامة إلى الإغلاق بسبب نقص الإمدادات، تشير تقارير إلى أن بعض العائلات باتت تقتات على علف الحيوانات أو بقايا الطعام. في أكبر مطبخ عام في المدينة، يتلقى نحو 1700 شخص كل صباح طبق العصيدة المصنوعة من دقيق الدخن أو الذرة، ولكن الكميات تقلصت بشكل كبير. وقال المسؤول في تكية الفاشر مجدي يوسف لفرانس برس إنها "باتت تقدم وجبة واحدة فقط في اليوم بعد أن كانت تقدم وجبتين قبل ستة أشهر". وأضاف أن الطبق الذي كان يتقاسمه ثلاثة أشخاص صار يتقاسمه سبعة. وأشار يوسف إلى أن الأطفال والنساء الذين يصلون إلى المطبخ يظهرون علامات واضحة على سوء التغذية، بينها بطون منتفخة وعيون غائرة. ووفقا لبيانات الأممالمتحدة، يعاني 40 بالمئة من الأطفال دون الخامسة في الفاشر سوء التغذية، بينهم 11% يعانون سوء التغذية الحاد الشديد. أُعلنت المجاعة قبل عام في مخيمات النازحين المحيطة بالفاشر، وتوقعت الأممالمتحدة أن تمتد إلى المدينة نفسها بحلول مايو الماضي. إلا أن نقص البيانات حال دون إعلان المجاعة رسميا. وحذّرت الأممالمتحدة مرارا من محنة نحو مليون شخص محاصرين في الفاشر والمخيمات المحيطة بها والذين أصبحوا محرومين فعليا المساعدات والخدمات الأساسية. وقال برنامج الأغذية العالمي هذا الأسبوع إن آلاف الأسر في الفاشر "معرضة لخطر الجوع". وأدى هجوم على قافلة إنسانية تابعة للأمم المتحدة كانت متجهة إلى المدينة في يونيو إلى مقتل خمسة من عمال الإغاثة. كما يعقّد موسم الأمطار الذي يبلغ ذروته في أغسطس، جهود الوصول إلى المدينة. فالطرق تنقطع بسرعة، ما يجعل إيصال المساعدات صعبا، إن لم يكن مستحيلا. وأدت الحرب التي دخلت عامها الثالث إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين، وتسببت في ما وصفته الأممالمتحدة بأكبر أزمة نزوح وجوع في العالم. وقال مجدي يوسف إن "الذين يتناولون الطعام في المطبخ العام يظلون جائعين". وأضاف "أرى الخوف في عيون الأطفال بسبب نقص الغذاء". وأكد طبيب أطفال في مستشفى الفاشر أن هناك زيادة في عدد الأطفال الذين يصلون إلى المستشفى ويعانون سوء التغذية الحاد. وتابع في تصريح لوكالة فرانس برس أن "معظم الحالات تعاني سوء التغذية الحاد، والإمدادات الطبية اللازمة لعلاجهم منخفضة بشكل خطير". وفي مخيم أبو شوك القريب الذي يعاني بدوره المجاعة، قال المسؤول المحلي آدم عيسى إنه عاد للتو من مراسم دفن خمسة أطفال. وأوضح أن معدل وفيات الأطفال في المخيم يراوح بين خمس وسبع وفيات يوميا. ووصف ممثل اليونيسف في السودان شيلدون يت الوضع هذا الأسبوع بأنه "كارثة محدقة". وحذّر قائلا "نحن على شفا ضرر لا يمكن إصلاحه لجيل كامل من الأطفال". وعلى صعيد المعارك ، قتل 18 مدنيا في هجوم شنته قوات الدعم السريع على منطقة أم كريدم قرب مدينة الأبيض في ولاية شمال كردفان الواقعة في وسط السودان، بحسب بيان لمجموعة محامي الطوارئ السبت. وذكرت "محامو الطوارئ" في بيانها إن الهجوم خلف كذلك عشرات الجرحى في الولاية التي تشهد معارك طاحنة بين قوات الدعم السريع والجيش فيما الاتصالات فيها ضعيف ومتقطعة. وكذلك الأمر في مدينة الأبيض، غرب الخرطوم، حيث الاتصال بالانترنت متذبذب عبر خدمات الإنترنت الفضائي (ستار لينك). ومحامو الطوارئ هي مجموعة مستقلة معنية بتسجيل الانتهاكات التي يرتكبها طرفا الحرب المستمرة في السودان منذ أكثر من عامين. وطال هجوم الخميس قريتي مُرْكز الزيادية ولمينا الزيادية جنوب منطقة أم كريدم، وهي "منطقة خالية تماما من أي وجود للقوات النظامية ما جعل المدنيين في مواجهة مباشرة مع المهاجمين"، بحسب بيان محامي الطوارئ. وأضاف البيان "أسفر الاعتداء عن مقتل 18 مدنيا وإصابة عشرات آخرين نُقلوا إلى مدينة الأبيض على بعد عشرات الكيلومترات بسبب انعدام الخدمات الصحية في القرى". وأكدت المجموعة "ارتكاب انتهاكات واسعة شملت التنكيل بالأهالي ونهب الممتلكات" خلال الهجمات. تقع الأبيض، عاصمة شمال كردفان، على بعد 400 كلم إلى الغرب من الخرطوم، عند تقاطع استراتيجي يربط العاصمة بإقليم دارفور في غرب البلاد. وسيطر عليها الجيش في فبراير بعد أن كسر حصارا فرضته قوات الدعم السريع على المدينة قرابة عامين.