تمثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 مشروعًا استراتيجيًا شاملاً يستهدف إحداث تحول جذري في الاقتصاد والمجتمع، ومن بين أهم أهدافها تعزيز موقع المملكة كمركز لوجستي عالمي يربط القارات الثلاث. وقد تجلى هذا الهدف بشكل واضح في السعي لرفع تصنيف المملكة في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية من المرتبة 49 إلى المرتبة 25 عالميًا، والأولى إقليميًا، وهو هدف يعكس طموح المملكة للتميز في مجال حيوي يمثل عصب التجارة والنمو الاقتصادي. يُعد تحسين الأداء اللوجستي عنصرًا أساسيًا في تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، حيث تسهم الخدمات اللوجستية في جذب الاستثمارات وتوسيع حركة التبادل التجاري ورفع كفاءة سلاسل الإمداد. لتحقيق هذا الهدف، أطلقت المملكة عددًا من المبادرات والمشاريع الكبرى، كان أبرزها تأسيس الهيئة العامة للنقل، وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، وإنشاء مناطق لوجستية خاصة، وتحديث البنية التحتية للموانئ والمطارات، وربطها بشبكات طرق وسكك حديدية متطورة. من وجهة نظري، فإن هذا الهدف يتميز بواقعيته وأثره المباشر على الاقتصاد الوطني. فالموقع الجغرافي الفريد للمملكة لم يكن مستثمرًا بالشكل الكافي سابقًا، رغم أنه يشكل ميزة استراتيجية لا تتوفر لكثير من الدول، وعندما تتبنى الدولة هذا التوجه ضمن رؤية مدروسة، فإنها بذلك تحوّل الموقع من مجرد عامل جغرافي إلى قوة اقتصادية تنافسية، وهذا ما يجعلني أعتبر هذا الهدف ركيزة مهمة في التحول الوطني. كما أرى أن التركيز على الخدمات اللوجستية من شأنه دعم القطاعات الأخرى، كالتجارة الإلكترونية، والصناعة، والزراعة، وحتى السياحة. وأعتقد أيضًا أن هذا التحول لن يكتمل دون تهيئة البيئة التشريعية والتنظيمية، وهذا ما بدأت به المملكة فعلًا من خلال تقنين إجراءات التخليص الجمركي، وتقليل المدد الزمنية للإجراءات، واعتماد أنظمة رقمية متطورة، مثل منصة "فسح" وغيرها، وهو ما يسهل حركة البضائع، ويخفض التكاليف، ويزيد من كفاءة الأداء. وبذلك، فإن الدولة لا تكتفي بالبنية التحتية، بل تعمل أيضًا على تحديث المنظومة بأكملها. برأيي الشخصي، فإن نجاح المملكة في التقدم فعليًا إلى المرتبة 38 عالميًا في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية بحسب تقرير البنك الدولي لعام 2023، يعكس الجدية الكبيرة في تنفيذ هذا الهدف. كما أن التقدم اللافت في مؤشر "أجيليتي" للخدمات اللوجستية للأسواق الناشئة لعام 2025، حيث جاءت المملكة ضمن المراتب الأربع الأولى عالميًا بين 50 سوقًا ناشئًا، إلى جانب الصين والهند والإمارات، يؤكد أن المملكة تسير في الاتجاه الصحيح. وجاء هذا التقدم بفضل الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، والتحول الرقمي في التجارة، وتحسين جودة المعيشة، إضافة إلى التحسن الواضح في جميع فئات المؤشر الأربع، وهي: الفرص في الخدمات اللوجستية الدولية والمحلية، بيئة الأعمال، والجاهزية الرقمية. وقد ساهمت عدة وزارات وهيئات حكومية في هذا التقدم، أبرزها وزارة النقل والخدمات اللوجستية، التي قادت عملية التخطيط والتنفيذ للمشاريع، إلى جانب الهيئة العامة للموانئ، وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، والهيئة العامة للطيران المدني، التي تعاونت بشكل متكامل لخلق منظومة نقل فعالة ومرنة. كما عملت هذه الجهات على تسهيل الإجراءات، وتحسين تجربة المستثمرين، ودعم الشراكات مع القطاع الخاص، بما يضمن استدامة التطوير وتحقيق المستهدفات بحلول 2030. وختاماً إن تحقيق الريادة الإقليمية والتقدم العالمي في مجال الخدمات اللوجستية ليس مجرد هدف طموح ضمن رؤية 2030، بل هو مشروع تنموي يعكس إدراك المملكة لأهمية الموقع الجغرافي كأصل اقتصادي، ومع التقدم المتحقق حتى الآن، والدعم الحكومي المتواصل، والتكامل بين الجهات المختلفة، فإن المملكة تسير بثقة نحو تحقيق هذا الهدف، مما سيجعل منها مركزًا لوجستيًا عالميًا ومحورًا رئيسًا في التجارة الدولية.