في خضم الاندفاع المحموم نحو تبني الذكاء الاصطناعي، نكاد نغفل عن خطر مزدوج. الأول مألوف: استبدال الموظفين بأدوات ذكية يهدد بزيادة البطالة. أما الآخر، فيجري عميقاً: من يملك القيمة المضافة التي تنتجها هذه الأدوات؟ حين نستخدم وكلاء ذكيون يتعلمون من بياناتنا ويتطورون داخل بيئاتنا ويصبحون (عمالة رقمية) فإننا نغذيهم بأثمن ما نملك: خبراتنا وأنظمتنا وبياناتنا. ومع مرور الوقت، تصبح هذه الأدوات أذكى وأثمن، لا لنا وحدنا، بل لمزود التقنية الذي قد يعيد بيعها مجاناً. الخطر الأول واضح، وإن لم نواجهه بعد. أما الآخر، فما زال غامضاً، ولم نبدأ في طرح الأسئلة المناسبة حوله حتى الآن. لنتخيل التالي: شركة (أ) ترخص النموذج الذي طورته للشركة (ب). بمرور الوقت، بينما تستخدم الشركة (ب) النموذج تزيد قيمته بحيث يصبح أذكى- أفضل في التنبؤ باحتياجات العملاء أو أتمتة الردود أو الإبلاغ عن الاحتيال. ترتفع قيمة النموذج ليس بسبب مكانة الشركة (ب) أو مجالها فحسب، لكن بسبب بيئة البيانات الفريدة وسير العمل التي تمتلكها وتطور بسببها النموذج الذي تمتلكه الشركة (أ). باختصار، نحن أمام حالة فريدة بحيث يعيد لك العميل منتجك في حالة أفضل مما سلمته له. في هذه الحالة، عندما تعيد الشركة (أ) بيع النسخة التي حسنتها الشركة (ب) إلى شركات أخرى، من يحصل على الأرباح، الشركة (أ) أم الشركة (ب) أم كلاهما؟ ليس هذا السيناريو خيالاً علمياً. إنه المنطق الجديد لأنظمة التعلم الآلي اليوم. على عكس الأدوات التقليدية التي تنخفض قيمتها بالاستهلاك، يتطور وكلاء الذكاء الاصطناعي فترتفع قيمتها بالاستخدام. هذا يعني أن القيمة المضافة تأتي من العميل وليس البائع فقط. هكذا تصبح القيمة مشتركة: يوفر البائع نموذج الذكاء الاصطناعي، بينما يوفر المشتري البيانات التي يزدهر بسببها النموذج. بمعنى آخر، تصبح البيانات هي العمالة الجديدة، بحيث يضطر البائع في حالات معينة أن يدفع للعميل مقابل بياناته وليس العكس. ماذا لو اضطر البائع أن يشتري القيمة المضافة لكل عميل، كيف سيربح؟ الآثار عميقة، فقد انقلبت المعادلة. بدأ الاقتصاديون في التفكير في هذا الأمر بعدسة البيانات التي أصبحت رأس مال مستقل. إذا كان تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي باستخدام البيانات الفريدة لكل شركة يشبه الاستثمار في أصول رأسمالية، فعلى الشركات التي تمتلك البيانات أن تتوقع عائداً. يمكن أن يتخذ ذلك شكل رسوم مخفضة، أو حقوق الملكية الفكرية المشتركة، أو نماذج متدرجة لتقاسم الأرباح. في الحالات القصوى، يمكن أن يعني الملكية المشتركة لقدرات الذكاء الاصطناعي بعد الاستفادة من البيانات. ماذا لو جادلت الشركة (أ) في السيناريو السابق أن تحسينات النموذج بعد الاستخدام تخصهم ولا تخص الشركة (ب)؟ فقد أعدوا البنية الأصلية، وحافظوا على استقرار النظام وتطويره، وتحملوا تكلفة توسيع نطاقه، ولولا كل ذلك لما تحققت القيمة المضافة ابتداءً. لا شك أن كل ما سبق له قيمة، لكنها تقلل القيمة الهائلة التي تضيفها بيئة بيانات الشركة (ب) أو أي شركة أخرى. هل تعادل خدمات الشركة (أ) قيمة بيانات الشركة (ب) حقاً؟ إذا كانت الإجابة لا، فنحن أمام سوق جديدة للبيانات بحيث تنمو القيمة بالتشارك عبر الزمن، وقد يعني ذلك صافي أرباح أقل وقيمة أعلى. ليس هذا التباين جديداً تماماً. فقد حققت منصات التواصل الاجتماعي أرباحاً إعلانية من المحتوى الذي ينشئه المستخدم. شركات مثل أوبر تشاركت مع السائقين الأرباح لأنها مكنتهم بفضل تأثير الشبكة التي كونتها من السائقين والراكبين. في الحالتين، كان المساهمون ضروريين ولكنهم لم يكافؤوا جيداً. هل سيحدث الشيء نفسه مع البيانات أو العمال الرقميين؟ مع انتشار وكلاء الذكاء الاصطناعي ليس في شركات التقنية فقط، ولكن في الخدمات اللوجستية والرعاية الصحية والخدمات الحكومية، سترتفع أهمية الإجابة عن أسئلة الاقتصاد التشاركي الجديدة. على المنظمين والمستثمرين والمؤسسات إعادة التفكير في الأطر القانونية والاقتصادية التي تحكم العمل الرقمي. سيتأثر قانون الملكية الفكرية الذي يلقي بظلاله على العقود والأنظمة الضريبية ليتماشى مع نموذج الاقتصاد التشاركي الجديد. مستقبل العمل لا يتعلق فقط بمن يستبدل بالآلات. يتعلق الأمر بمن يملك القيمة المضافة ومن يحصل على العائد الذي يستحقه مقابل القيمة التي يقدمها.